هلكتهم التي هلكوها خاصة من بين الهلكات :﴿مَّالِ هذا الكتاب لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا﴾ وهي عبارة عن الإحطاة بمعنى لا يترك شيئاً من المعاصي سواء كانت أو كبيرة إلا وهي مذكورة في هذا الكتاب ونظيره قوله تعالى :
﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لحافظين * كِرَاماً كاتبين * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [ الانفطار : ١٠ ١٢ ] وقوله :﴿إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [ الجاثية : ٢٩ ] وإدخال تاء التأنيث في الصغيرة والكبيرة على تقدير أن المراد الفعلة الصغيرة والكبيرة :﴿إِلاَّ أَحْصَاهَا﴾ إلا ضبطها وحصرها، قال بعض العلماء : ضجوا من الصغائر قبل الكبائر. (١)
لأن تلك الصغائر هي التي جرتهم إلى الكبائر فاحترزوا من الصغائر جداً :﴿وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرًا﴾ في الصحف عتيداً أو جزاء ما عملوا :﴿وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ معناه أنه لا يكتب عليه ما لم يفعل، ولا يزيد في عقابه المستحق، ولا يعذب أحداً بجرم غيره، بقي في الآية مسائل :
المسألة الأولى :
قال الجبائي : هذه الآية تدل على فساد قول المجبرة في مسائل : أحدها : أنه لو عذب عباده من غير فعل صدر منهم لكان ظالماً.
وثانيها : أنه لا يعذب الأطفال بغير ذنب.
وثالثها : بطلان قولهم لله أن يفعل ما يشاء ويعذب من غير جرم لأن الخلق خلقه إذ لو كان كذلك لما كان لنفي الظلم عنه معنى لأن بتقدير أنه إذا فعل أي شيء أراد لم يكن ظلماً منه لم يكن لقوله إنه لا يظلم فائدة فيقال له.
أما الجواب عن الأولين فهو المعارضة بالعلم والداعي، وأما الجواب عن هذا الثالث فهو أنه تعالى قال :﴿مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ﴾ [ مريم : ٣٥ ] ولم يدل هذا على أن اتخاذ الولد صحيح عليه فكذا ههنا.
المسألة الثانية :
عن رسول الله ﷺ أنه قال :" يحاسب الناس في القيامة على ثلاثة يوسف، وأيوب، وسليمان.
قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم وقد سئل : أيحاسب الإنسان على ما يتكلم به؟ فقال له :«و هل يكب الناس على مناخرهم في النار يوم القيامة إلا حصائد ألسنتهم»
والحصائد جمع حصيدة : وهي الكلمة الهينة.