ومنه قال فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها، وفسقت النواة إذا خرجت عن الثمرة، وفسقت الفأرة إذا خرجت من جحرها، وجميع هذا الخروج المستعمل في هذه الأمثلة، إنما هو في فساد، وقول النبي ﷺ " خمس فواسق يقتلن في الحرم إنما هن مفسدات " وقوله ﴿ عن أمر ربه ﴾ يحتمل أن يريد خرج عن أمر ربه إياه، أي فارقه كما فعل الخارج عن طريق واحد، أي منه، ويحتمل أن يريد فخرج عن الطاعة بعد أمر ربه بها، و﴿ عن ﴾ قد تجيء بمعنى بعد في مواضع كثيرة، كقولك أطعمتني عن جوع، ونحوه، فكأن المعنى : فسق بعد أمر ربه بأن يطيع ويحتمل أن يريد فخرج بأمر ربه أي بمشيئته ذلك له ويعبر عن المشيئة ب " الأمر "، إذ هي أحد الأمور، وهذا كما تقول فعلت ذلك عن أمرك أي بجدك وبحسب مرادك، وقال ابن عباس في قصص هذه الآية : كان إبليس من أشرف صنف، وكان له سلطان السماء وسلطان الأرض، فلما عصى صارت حاله إلى ما تسمعون، وقال بعض العلماء إذا كانت خطيئة المرء من الخطأ فلترجه، كآدم، وإذا كانت من الكبر، فلا ترجه، كإبليس، ثم وقف عز وجل الكفرة على جهة التوبيخ بقوله ﴿ أفتتخذونه ﴾ يريد أفتتخذون إبليس، وقوله ﴿ وذريته ﴾ ظاهر اللفظ يقتضي الموسوسين من الشياطين الذين يأمرون بالمنكر ويحملون على الأباطيل، وذكر الطبري أن مجاهداً قال : ذرية إبليس الشيطان، وكان يعدهم : زلنبور صاحب الأسواق، يضع رايته في كل سوق، وتبن صاحب المصائب، والأعور صاحب الربا، ومسوط صاحب الأخبار، يأتي بها فيلقيها في أفواه الناس، ولا يجدون لها أصلاً، وداسم الذي إذا دخل الرجل بيته فلم يسلم ولم يذكر اسم الله بصره من المتاع ما لم يرفع.