وقال ابن عاشور :
﴿ وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (٥٣) ﴾
عطف على جملة ﴿ وجعلنا بينهم موبقاً ﴾ [ الكهف : ٥٢ ]، أي جعلنا الموبق ورآه المجرمون، فذكر المجرمين إظهار في مقام الإضمار للدلالة على ما يفيده المجرمون من تلبسهم بما استحقوا به عذاب النار.
وكذلك عُبر بـ ( النار ) في مقام الإضمار للموبق للدلالة على أن المَوبق هو النار فهو شبيه بعطف البيان.
والظن مستعمل هنا في معنى التحقق وهو من استعمالاته.
ولعل اختياره هنا ضرب من التهكم بهم ؛ بأنهم رجحوا أن تلك النار أعدت لأجلهم في حين أنهم موقنون بذلك.
والمواقعة : مفاعلة من الوقوع، وهو الحصول لقصد المبالغة، أي واقعون فيها وقوع الشيء الحاصل في موقع يتطلبه فكأنه يقع هو فيه.
والمصرف : مكان الصرف، أي التخلص والمجاوزة.
وفي الكلام إيجاز، تقديره : وحاولوا الانقلاب أو الانصراف فلم يجدوا عنها مصرفاً، أي مخلصاً.
﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (٥٤) ﴾
عطف على الجمل السابقة التي ضربت فيها أمثال من قوله :﴿ واضرب لهم مثلاً رجلين ﴾ [ الكهف : ٣٢ ] وقوله :﴿ واضرب لهم مثل الحياة الدنيا ﴾ [ الكهف : ٤٥ ].
ولما كان في ذلك لهم مقنع وما لهم منه مدفع عاد إلى التنويه بهدي القرآن عودا ناظراً إلى قوله :﴿ واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك ﴾ [ الكهف : ٢٧ ] وقوله :﴿ وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ﴾ [ الكهف : ٢٩ ] ؛ فأشار لهم أن هذه الأمثال التي قرعت أسماعهم هدي من جملة هدي القرآن الذي تبرمُوا منه.


الصفحة التالية
Icon