وليس المراد بالإنسان الإنسان الكافر كما في قوله تعالى :﴿ يقول الإنسان أإذا ما مت لسوف أخرج حياً ﴾ [ مريم : ٦٦ ] ولا المراد بالجدل الجدل بالباطل، لأن هذا سيجيء في قوله تعالى : ويجادل الذين كفروا بالباطل } الآية، فقوله هنا :﴿ وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً ﴾ تمهيد لقوله بعده ﴿ ويجادل الذين كفروا بالباطل ﴾ [ الكهف : ٥٦ ].
و( شيء ) اسم مفرد متوغل في العموم.
ولذلك صحت إضافة اسم التفضيل إليه، أي أكثر الأشياء.
واسم التفضيل هنا مسلوب المفاضلة مثل قوله :﴿ رب السجن أحب إليَّ مما يدعونني إليه ﴾
[ يوسف : ٣٣ ]، وإنما أتي بصيغته لقصد المبالغة في شدة جدل الإنسان وجنوحه إلى المماراة والنزاع حتى فيما تَرْك الجدال في شأنه أحسن، بحيث إن شدة الوصف فيه تشبه تفوقه في الوصف على كل من يعرض أنه موصوف به.
وإنما ألجئنا إلى هذا التأويل في اسم التفضيل لظهور أن غير الإنسان من أنواع ما على الأرض لا يتصور منه الجَدل.
فالجدل خاص بالإنسان لأنه من شُعب النطق الذي هو فَصْل حقيقة الإنسانية، أما الملائكة فجدلهم محمود مثل قولهم : أتجعل فيها من يفسد فيها إلى قوله :﴿ ونقدس لك ﴾ [ البقرة : ٣٠ ].
وأما الشياطين فهم أكثر جدلاً من الإنسان، ولكن لما نبا المقام عن إرادتهم كانوا غير مرادين بالتفضيل عليهم في الجدل.
وجدلاً } تمييز لنسبة الأكثرية إلى الإنسان.
والمعنى : وكان الإنسان كثيراً من جهة الجدل، أي كثيراً جدله.