وقال الشيخ الشنقيطى :
﴿ وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (٥٣) ﴾
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن المجرمين يرون النار يوم القيامو، ويظنون أنهم مواقعوها، اي مخالطوها وواقعون فيها. والظن في هذه الآية بمعنى اليقين ؛ لأنهم أبصروا الحقائق وشاهدوا الواقع. وقد بين تعالى في غير هذا الموضع أ، هم موقنون بالواقع ؛ كقوله عنهم :[ السجدة : ١٢ ]، وقوله :[ ق : ٢٢ ]، وقوله تعالى :[ مريم : ٣٨ ] الآية. ومن إطلاق الظن على اليقين قوله تعالى :[ البقرة : ٤٥-٤٦ ] اي يقونون أنهم ملاقوا ربهم. وقوله تعالى :[ البقرة : ٢٤٩ ]. وقوله تعالى :[ الحاقة : ١٩-٢٠ ] فالظن في هذه الآيات كلها بمعنى اليقين. والعرب تطلق الظن على اليقين وعلى الشك. ومن إطلاقه على اليقين في كلام العرب قول دريد بن الصمة :
فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج سراتهم في الفارسي المسرد
وقول عميرة بن طارق :
بأن تغتزوا قومي وأقعد فيكم... وأجعل مني الظن غيبا مرجما
وقد ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : ان المجرمين يرون النار، وبين في موضع آخر أنها هي تراهم أيضاً، وهو قوله تعالى :[ الفرقان : ١١-١٢ ]. وما جرى على ألسنة العلماء من أن الظن جل الاعتقاد اصطلاح للأصوليين والفقهاء. ولا مشاحة في الاصطلاح. وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة :﴿ ﴾ المصرف : المعدل، اي ولم يجدوا عن النار مكاناً ينصرفون إليه ويعدلون إليه، ليتخذوه ملجأ ومعتصماً ينجون فيه من عذاب الله. ومن إطلاق المصرف على المعدل بمعن مكان الانصراف للاعتصام بذلك المكان - قوله أبي كبير الهذلي :
أزهير هل عن شيبة من مصرف... أم لا خلود لباذل متكلف