ولما كان كأنه قيل : ما لهم فعلوا ذلك؟ أيجهل قبح هذا أحد؟ قيل :﴿إنا جعلنا﴾ بما لنا من القدرة على إعماء البصائر والأبصار ﴿على قلوبهم﴾ فجمع رجوعاً إلى أسلوب ﴿واتخذوا ءاياتي﴾ لأنه أنص على ذم كل واحد ﴿أكنة﴾ أي أغطية مستعلية عليها استعلاء يدل سياق العظمة على أنه لا يدع شيئاً من الحيز يصل إليها، فهي لا تعي شيئاً من آياتنا، ودل بتذكير الضمير على أن المراد بالآيات القرآن فقال تعالى :﴿أن﴾ أي كراهة أن ﴿يفقهوه﴾ أي يفهموه ﴿وفي ءاذانهم وقراً﴾ أي ثقلاً فهم لا يسمعون حق السمع، ولا يعون حق الوعي ﴿وإن تدعهم﴾ أي تكرر دعاءهم كل وقت ﴿إلى الهدى﴾ لتنجيهم بما عندك من الحرص على ذلك والجد ﴿فلن يهتدوا﴾ أي كلهم بسبب دعائك ﴿إذاً﴾ أي إذا دعوتهم ﴿أبداً﴾ لأن من له العظمة التامة - وهو الذي إذا عبر عن نفسه بنونها كانت على حقيقتها - حكم عليها بالضلال، أي أنه لا يكون الدعاء وحده هادياً لأكثرهم، بل لا بد معه من السيف كما سنأمرك به فتقطع الرؤوس فيذل غيرهم، وقد يكون المراد أن من كان هكذا معانداً على هذا الوجه مؤبد الشقاء، وقد نفى آخر هذه الآية الفعل عن العباد وأثبته لهم أولها، وقلما نجد في القرآن آية تسند الفعل إليهم إلا قارنتها أخرى تثبته لله وتنفيه عنهم، ابتلاء من الله لعباده ليتميز الراسخ - الذي ينسب للمكلفين الكسب المفيد لأثر التكليف، ولله الخلق المفيد لأنه سبحانه لا شريك له في خلق ولا غيره - من الطائش الذي يقول بالجبر أو التفويض.