فصل


قال الفخر :
ثم قال :﴿مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السموات والأرض وَلاَ خَلْقَ أَنفُسِهِمْ﴾
وفيه مسألتان :
المسألة الأولى :
اختلفوا في أن الضمير في قوله :﴿مَّا أَشْهَدتُّهُمْ﴾ إلى من يعود ؟ فيه وجوه : أحدها : وهو الذي ذهب إليه الأكثرون أن المعنى ما أشهدت الذي اتخذتموهم أولياء خلق السموات والأرض ولا أشهدت بعضهم خلق بعض كقوله :﴿اقتلوا أَنفُسَكُمْ﴾ [ النساء : ٦٦ ] يعني ما أشهدتهم لأعتضد بهم والدليل عليه قوله :﴿وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ المضلين عَضُداً﴾ أي وما كنت متخذهم فوضع الظاهر موضع المضمر بياناً لإضلالهم وقوله :﴿عَضُداً﴾ أي أعواناً.
وثانيها : وهو أقرب عندي أن الضمير عائد إلى الكفار الذين قالوا للرسول ﷺ إن لم تطرد من مجلسك هؤلاء الفقراء لم نؤمن بك فكأنه تعالى قال : إن هؤلاء الذين أتوا بهذا الاقتراح الفاسد والتعنت الباطل ما كانوا شركاء لي في تدبير العالم بدليل قوله تعالى :﴿مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السموات والأرض وَلاَ خَلْقَ أَنفُسِهِمْ﴾ ولا اعتضدت بهم في تدبير الدنيا والآخرة، بل هم قوم كسائر الخلق، فلم أقدموا على هذا الاقتراح الفاسد ؟ ونظيره أن من اقترح عليك اقتراحات عظيمة فإنك تقول له لست بسلطان البلد ولا ذرية المملكة حتى نقبل منك هذه الاقتراحات الهائلة، فلم تقدم عليها والذي يؤكد هذا أن الضمير يجب عوده إلى أقرب المذكورات.
وفي هذه الآية المذكورة الأقرب هو ذكر أولئك الكفار وهو قوله تعالى :﴿بِئْسَ للظالمين بَدَلاً﴾ والمراد بالظالمين أولئك الكفار.
وثالثها : أن يكون المراد من قوله :﴿مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السموات والأرض وَلاَ خَلْقَ أَنفُسِهِمْ﴾ كون هؤلاء الكفار جاهلين بما جرى به القلم في الأزل من أحوال السعادة والشقاوة.


الصفحة التالية
Icon