ولما كان الاستثناء مفرغاً، أتى بالفاعل فقال تعالى :﴿إلا أن﴾ أي طلب أن ﴿تأتيهم سنة الأولين﴾ في إجابتهم إلى ما اقترحوه على رسلهم، المقتضي للاستئصال لمن استمر على الضلال، ومن ذلك طلبهم أن يكون النبي ملكاً، وذلك نقمة في صورة نعمة وإتيان بالعذاب دبراً، أي مستوراً ﴿أو﴾ طلب أن ﴿يأتيهم العذاب قبلاً﴾ أي مواجهة ومعاينة ومشاهدة من غير ستر له، هو في قراءة من كسر القاف وفتح الباء واضح، من قولهم : لقيت فلاناً قبلاً، أي معاينة، وكذا في قراءة من ضمهما، من قولهم : أنا آتيك قبلاً لا دبراً، أي مواجهة من جهة وجهك لا من جهة قفاك، قال تعالى :
﴿إن كان قميصه قدَّ من قبل﴾ [ يوسف : ٢٦ ]، ويصح أن يراد بهذه القراءة الجماعة، لأن المراد بالعذاب الجنس أي يأتيهم أصنافاً مصنفة صنفاً ونوعاً نوعاً، وقد مضى في الأنعام بيانه، وهذا الشق قسيم الإتيان بسنة الأولين، فمعناه : من غير أن يجابوا إلى ما اقترحوا كما تقدم في التي قبلها ﴿فأبى أكثر الناس إلا كفوراً وقالوا لن نؤمن لك﴾ [ الإسراء : ٨٩-٩٠ ] - إلى قوله تعالى :﴿أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً﴾ [ الإسراء : ٩٢ ] الآية وهذه الآية من الاحتباك : ذكر ﴿سنة الأولين﴾ أولاً يدل على ضدها ثانياً، وذكر المكاشفة ثانياً يدل على المساترة أولاً. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٤ صـ ٤٨١ ـ ٤٨٢﴾


الصفحة التالية
Icon