وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَرَأَى المجرمون النار ﴾
"رأى" أصله رَأَيَ ؛ قلبت الياء ألفاً لانفتاحها وانفتاح ما قبلها ؛ ولهذا زعم الكوفيون أن "رأى" يكتب بالياء، وتابعهم على هذا القول بعض البصريين.
فأما البصريون الحذّاق، منهم محمد بن يزيد فإنهم يكتبونه بالألف.
قال النحاس : سمعت عليّ بن سليمان يقول سمعت محمد بن يزيد يقول : لا يجوز أن يكتب مضى ورمى وكل ما كان من ذوات الياء إلا بالألف، ولا فرق بين ذوات الياء وبين ( ذوات ) الواو في الخط، كما أنه لا فرق بينهما في اللفظ، ولو وجب أن يكتب ذوات الياء بالياء لوجب أن يكتب ذوات الواو بالواو، وهم مع هذا يناقضون فيكتبون رمى بالياء ورماه بالألف، فإن كانت العلة أنه من ذوات الياء وجب أن يكتبوا رماه بالياء، ثم يكتبون ضُحاً جمع ضَحْوة، وكُساً جمع كِسوة، وهما من ذوات الواو بالياء، وهذا ما لا يحصل ولا يثبت على أصل.
﴿ فظنوا أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا ﴾ "فظنّوا" هنا بمعنى اليقين والعلم، كما قال :
فَقلْتُ لهمْ ظُنُّوا بأَلْفَيْ مُدَجَّج...
أي أيقنوا ؛ وقد تقدّم.
قال ابن عباس : أيقنوا أنهم مواقعوها.
وقيل : رأوها من مكان بعيد فتوهموا أنهم مواقعوها، وظنوا أنها تأخذهم في الحال.
وفي الخبر :"إن الكافر ليرى جهنم ويظن أنها مواقعته من مسيرة أربعين سنة".
والمواقعة ملابسة الشيء بشدّة.
( وعن علقمة أنه قرأ ) "فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُلاَفُّوها" أي مجتمعون فيها، واللَّفَف الجمع.
﴿ وَلَمْ يَجِدُواْ عَنْهَا مَصْرِفًا ﴾ أي مَهْرَباً لإحاطتها بهم من كل جانب.
وقال القتبي : مَعْدِلا ينصرفون إليه.
وقيل : ملجأ يلجأون إليه ؛ والمعنى واحد.
وقيل : ولم تجد الأصنام مصرِفاً للنار عن المشركين.
قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هذا القرآن لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ ﴾
يحتمل وجهين : أحدهما : ما ذكره لهم من العبر والقرون الخالية.