﴿أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِى إسرائيل ﴾ [ الشعراء : ١٧ ] والأمة لا تكون أعلى حالاً من النبي، وإن قلنا إنه ما كان من بني إسرائيل لم يجز أن يكون أفضل من موسى لقوله تعالى لبني إسرائيل :﴿وَأَنّى فَضَّلْتُكُمْ عَلَى العالمين﴾ [ البقرة : ٤٧ ] وهذه الكلمات تقوي قول من يقول : إن موسى هذا غير موسى صاحب التوراة.
المسألة الثالثة :
قوله :﴿وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا﴾ يفيد أن تلك العلوم حصلت عنده من عند الله من غير واسطة، والصوفية سموا العلوم الحاصلة بطريق المكاشفات العلوم اللدنية، وللشيخ أبي حامد الغزالي رسالة في إثبات العلوم اللدنية، وأقول تحقيق الكلام في هذا الباب أن نقول : إذا أدركنا أمراً من الأمور وتصورنا حقيقة من الحقائق فإما أن نحكم عليه بحكم وهو التصديق أو لا نحكم وهو التصور، وكل واحد من هذين القسمين فإما أن يكون نظرياً حاصلاً من غير كسب وطلب، وإما أن يكون كسبياً، أم العلوم النظرية فهي تحصل في النفس والعقل من غير كسب وطلب، مثل تصورنا الألم واللذة، والوجود والعدم، ومثل تصديقنا بأن النفي والإثبات لا يجتمعان ولا يرتفعان، وأن الواحد نصف الإثنين.
وأما العلوم الكسبية فهي التي لا تكون حاصلة في جوهر النفس ابتداء بل لا بد من طريق يتوصل به إلى اكتساب تلك العلوم، وهذا الطريق على قسمين.
أحدهما : أن يتكلف الإنسان تركب تلك العلوم البديهية النظرية حتى يتوصل بتركبها إلى استعلام المجهولات.
وهذا الطريق هو المسمى بالنظر والتفكر والتدبر والتأمل والتروي والاستدلال، وهذا النوع من تحصيل العلوم هو الطريق الذي لا يتم إلا بالجهد والطلب.