وإن كان الثاني فكيف يمكنهم بعد البلوغ استخراج ذلك الكنز والانتفاع به ؟ الجواب : لعل اليتيمين كانا جاهلين به إلا أن وصيهما كان عالماً به ثم ( إن ) ذلك الوصي غاب وأشرف ذلك الجدار في غيبته على السقوط ولما قرر العالم هذه الجوابات قال :﴿رَحْمَةً مّن رَّبّكَ﴾ يعني إنما فعلت هذه الفعال لغرض أن تظهر رحمة الله تعالى لأنها بأسرها ترجع إلى حرف واحد وهو تحمل الضرر الأدنى لدفع الضرر الأعلى كما قررناه ثم قال :﴿وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِى﴾ يعني ما فعلت ما رأيت من هذه الأحوال عن أمري واجتهادي ورأيي وإنما فعلته بأمر الله ووحيه لأن الإقدام على تنقيص أموال الناس وإراقة دمائهم لا يجوز إلا بالوحي والنص القاطع بقي في الآية سؤال، وهو أنه قال :﴿فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا﴾ وقال :﴿فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مّنْهُ زكواة﴾ وقال :﴿فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا﴾ كيف اختلفت الإضافة في هذه الإرادات الثلاث وهي كلها في قصة واحدة وفعل واحد ؟ والجواب : أنه لما ذكر العيب أضافه إلى إرادة نفسه فقال : أردت أن أعيبها ولما ذكر القتل عبر عن نفسه بلفظ الجمع تنبيهاً على أنه من العظماء في علوم الحكمة فلم يقدم على هذا القتل إلا لحكمة عالية، ولما ذكر رعاية مصالح اليتيمين لأجل صلاح أبيهما أضافه إلى الله تعالى، لأن المتكفل بمصالح الأبناء لرعاية حق الآباء ليس إلا الله سبحانه وتعالى. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢١ صـ ١٣٥ ـ ١٣٨﴾


الصفحة التالية
Icon