ولما بان سر تلك القضايا، قال مقدراً للأمر :﴿ذلك﴾ أي لشرح العظيم ﴿تأويل ما لم تسطع﴾ يا موسى ﴿عليه صبراً﴾ وحذف تاء الاستطاعة هنا لصيرورة ذلك - بعد كشف الغطاء - في حيز ما يحمل فكان منكره غير صابر أصلاً لو كان عنده مكشوفاً من أول الأمر، وسقط - ولله الحمد - بما قررته في هذه القصة ما يقال من أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر في قول سليمان عليه السلام المخرج في الصحيحين من حديث أبي هريرة ـ رضى الله عنهم ـ " لأطوفن الليلة على مائة امرأة كلهن تلد فارساً يجاهد في سبيل الله، فلم تلد منهن إلا واحدة جاءت بشق آدمي أنه لو قال : إن شاء الله، لجاهدوا فرساناً أجمعون " فأفهم ذلك أن ذلك كل نبي استثنى في خبره صدقه الله تعالى كما وقع للذبيح أنه قال :﴿ستجدني إن شاء الله من الصابرين﴾ [ الصافات : ١٠٢ ] فوفى، فما لموسى عليه السلام - وهو من أولي العزم - فعل مع الاستثناء ما فعل؟ فإن الذبيح صبر على ما هو قاطع بأنه بعينه أمر الله، بخلاف موسى عليه السلام فإنه كان ينكر ما ظاهره منكر قبل العلم بأنه من أمر الله، فإذا نبه صبر، وأما قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :" يرحم الله أخي موسى! وددنا لو أنه صبر حتى يقص علينا من أمرهما " فمعناه : صبر عن الإذن للخضر عليه السلام في مفارقته في قوله ﴿فلا تصاحبني﴾ ويدل عليه أن في رواية لمسلم " رحمة الله علينا وعلى موسى! لولا أنه عجل لرأى العجب ولكنه أخذته من صاحبه ذمامة "
﴿قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني ﴾.