وقال القاسمى :
﴿ وَيَسْأَلونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ﴾
وهو الإسكندر الكبير المقدوني وسنذكر وجه تلقيبه بذلك :﴿ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً ﴾ أي : نبأً مذكوراً معجزاً، أنزله الله عليَّ.
﴿ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ ﴾ أي : بالقوة والرأي والتدبير والسعة في المال والاستظهار بالعدد وعظم الصيت وكبر الشهرة ﴿ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً ﴾، أي : طريقاً موصلاَ إليه. والسبب ما يتوصل به إلى المقصود من علم أو قدرة أو آلة.
﴿ فَأَتْبَعَ سَبَباً ﴾ قرئَ بقطع الهمزة وسكون التاء. وقرئ بهمزة الوصل وتشديد التاء. فقيل هما بمعنى ويتعديان لمفعول واحد. وقيل : أَتْبَعَ بالقطع يتعدى لاثنين. والتقدير : فأتبع سبباً سبباً آخر. أو فأتبع أمره سبباً كقوله :﴿ وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً ﴾ [ القصص : ٤٢ ].
وقال أبو عبيدة : اتبع بالوصل في السير وأتبع بالقطع معناه اللحاق كقوله :﴿ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ ﴾ [ الصافات : ١٠ ]، وقال يونس : أتبع بالقطع للجد الحثيث في الطلب وبالوصل مجرد الانتقال. والفاء في قوله : فأتبع فاء الفصيحة. أي : فأراد بلوغ المغرب فأتبع سبباً يوصله، لقوله :﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ ﴾ أي : أقصى ما يسلك فيه من الأرض من ناحية المغرب، وهو مغرب الأرض :﴿ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ﴾ أي : ذات حمأة وهو الطين الأسود، وقرئ حامية أي : حارّة. وقد تكون جامعة للوصفين ووَجَدَ يكون بمعنى رأى لما ذكره الراغب :﴿ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْماً ﴾ أي : أمة. ثم أشار تعالى إلى أنه مكنه منهم، وأظهره بهم، وحكمه فيهم وجعل له الخيرة في شأنهم، بقوله :﴿ قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ ﴾ أي : بالقتل وغيره :﴿ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً ﴾ بالعفو. ثم بين تعالى عدله وإنصافه، ليحتذى حذوه، بقوله سبحانه :


الصفحة التالية
Icon