وقال ابن عاشور :
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ﴾
افتتاح هذه القصة بـ ﴿ وَيَسْئَلُونَكَ ﴾ يدلّ عل أنها مما نزلت السورة للجواب عنه كما كان الابتداء بقصة أصحاب الكهف اقتضاباً تنبيهاً على مثل ذلك.
وقد ذكرنا عند تفسير قوله تعالى :﴿ ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربّي ﴾ في سورة الإسراء ( ٨٥ ) عن ابن عباس : أن المشركين بمكة سألوا النبي ثلاثة أسئلة بإغراء من أحبار اليهود في يثرب.
فقالوا : سلوه عن أهل الكهف وعن ذي القرنين وعن الروح، فإن أجاب عنها كلها فليس بنبيء.
وإن أجاب عن بعضها وأمسك عن بعض فهو نبيء؟.
وبيّنا هنالك وجه التعجيل في سورة الإسراء النازلة قبل سورة الكهف بالجواب عن سؤالهم عن الروح وتأخير الجواب عن أهل الكهف وعن ذي القرنين إلى سورة الكهف.
وأعقبنا ذلك بما رأيناه في تحقيق الحق من سَوق هذه الأسئلة الثلاثة في مواقع مختلفة.
فالسائلون : قريش لا محالة، والمسؤول عنه : خبر رجل من عظماء العالم عرف بلقب ذي القرنين، كانت أخبار سيرته خفيّة مُجملة مغلقة، فسألوا النبي عن تحقيقها وتفصيلها، وأذن له الله أن يبين منها ما هو موضع العبرة للناس في شؤون الصلاح والعدل، وفي عجيب صنع الله تعالى في اختلاف أحوال الخلق، فكان أحْبار اليهود منفردين بمعرفة إجمالية عن هذه المسائل الثلاث وكانت من أسرارهم فلذلك جَرّبوا بها نبوءة محمد.
ولم يتجاوز القرآن ذكر هذا الرجل بأكثر من لقبه المشتهر به إلى تعيين اسمه وبلاده وقومه، لأن ذلك من شؤون أهل التاريخ والقصص وليس من أغراض القرآن، فكان منه الاقتصار على ما يفيد الأمة من هذه القصة عبرة حِكميةً أو خُلقيةً فلذلك قال الله : قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُم مِنهُ ذِكراً }.
والمراد بالسؤال عن ذي القرنين السؤال عن خبره، فحذف المضاف إيجازاً لدلالة المقام، وكذلك حذف المضاف في قوله :﴿ مِنْهُ ﴾ أي من خبره و ( مِن ) تبعيضية.


الصفحة التالية
Icon