فلما خَيَّروا زيداً قال : ما كنتُ لأختار على رسول الله أحداً، لذلك أكرمه النبي ﷺ وسمَّاه زيدَ بن محمد، فلما أراد الحق سبحانه أن يبطل التبني، ونزل قوله تعالى :﴿ مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ ولكن رَّسُولَ الله وَخَاتَمَ النبيين.. ﴾ [ الأحزاب : ٤٠ ] وقال :﴿ ادعوهم لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ الله.. ﴾ [ الأحزاب : ٥ ]
فلا تقولوا : زيد بن محمد.
وقولوا : زيد بن حارثة، وهنا حَزِنَ زَيْد لهذا التغيير، ورأى أنه خسر به شرفاً عظيماً بانتسابه لمحمد، ولكن الحق سبحانه وتعالى يجبر خاطر زيد، ويجعل اسمه عَلَماً يتردد في قرآن يُتْلَى ويُتعبَّد به إلى يوم القيامة، فكان زيد هو الصحابي الوحيد الذي ورد ذكره باسمه في كتاب الله في قوله تعالى :﴿ فَلَمَّا قضى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا.. ﴾ [ الأحزاب : ٣٧ ]
فأيُّ شرف أعلى وأعظم من هذا الشرف؟
ونلحظ في هذه الآية :﴿ ادعوهم لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ الله.. ﴾ [ الأحزاب : ٥ ] أن الحق سبحانه لم يتهم رسوله ﷺ بالجور، فقال :﴿ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ الله.. ﴾ [ الأحزاب : ٥ ] فما فعله الرسول كان أيضاً قِسْطاً وعدلاً، وما أمر الله به هو الأقسط والأعدل.
إذن : فذِكْر ذي القرنين في كتاب الله شرف كبير، وفي إشارة إلى أن فاعل الخير له مكانته ومنزلته عند الله، ومُجازىً بأنْ يُخلّد ذكره ويبقى صِيته بين الناس في الدنيا.
ثم يقول الحق سبحانه :﴿ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأرض.. ﴾.
التمكين : أي أننا أعطيناه إمكانات يستطيع بها أن يُصرِّف كل أموره التي يريدها ؛ لأنه مأمون على تصريف الأمور على حَسْب منهج الله، كما قال تعالى في آية أخرى عن يوسف عليه السلام :﴿ وكذلك مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرض يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَآءُ.. ﴾ [ يوسف : ٥٦ ]