ثم يقول تعالى :﴿ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ.. ﴾ [ الكهف : ٨٦ ] أي : في عين فيها ماء. وقلنا : إن الحمأ المسنون هو الطين الذي اسودّ لكثرة وجوده في الماء. وفي تحقيق هذه المسألة قال عالم الهند أبو الكلام آزاد، ووافقه فضيلة المرحوم الشيخ عبد الجليل عيسى، قال : عند موضع يسمى ( أزمير ).
وقوله :﴿ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً.. ﴾ [ الكهف : ٨٦ ] أي : عند هذه العين ﴿ قُلْنَا ياذا القرنين إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً ﴾ [ الكهف : ٨٦ ] إذن : فهذا تفويض له من الله، ولا يُفوَّض إلا المأمون على التصرُّف ﴿ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ.. ﴾ [ الكهف : ٨٦ ] ولا بُدّ أنهم كانوا كفرة أو وثنيين لا يؤمنون بإله، فإما أنْ تأخذهم بكفرهم، وإما أن تتخذَ فيهم حُسْناً.
لكن ما وجه الحُسْن الذي يريد الله أن يتخذه؟ يعني أنهم قد يكونون من أهل الغفلة الذين لم تصلهم الدعوة، فبيّن لهم وجه الصواب ودلّهم على دين الله، فَمنْ آمن منهم فأحسن إليه، ومَنْ أصرّ على كُفْرِه فعذّبه، إذن : عليك أن تأخذهم أولاً بالعِظَة الحسنة والبيان الواضح، ثم تحكم بعد ذلك على تصرفاتهم.
ثم يقول الحق سبحانه :﴿ قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إلى رَبِّهِ... ﴾.
قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (٨٧)
قوله :﴿ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ.. ﴾ [ الكهف : ٨٧ ] يعطينا إشارة إلى المهلة التي سيعطيها لهؤلاء، مهلة تمكّنه أنْ يعِظهم ويُذكِّرهم ويُفهِّمهم مطلوبات دين الله.
وسبق أن قلنا : إن الظلم أنواع، أفظعها وأعلاها الشرك بالله، كما قال تعالى :﴿ إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [ لقمان : ١٣ ]
ثم يقول تعالى :﴿ ثُمَّ يُرَدُّ إلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً ﴾ [ الكهف : ٨٧ ]


الصفحة التالية
Icon