﴿وجد من دونهما﴾ أي بقربهما من الجانب الذي هو أدنى منهما إلى الجهة التي أتى منها ذو القرنين ﴿قوماً﴾ أي أقوياء لغتهم في غاية البعد من لغات بقية الناس لبعد بلادهم من بقية البلاد، فهم لذلك ﴿لا يكادون يفقهون قولاً﴾ أي لا يقربون من أن يفهموه ممن مع ذي القرنين فهماً جيداً كما يفهم غيرهم، ودل وصفهم بما يأتي على أنهم يفهمون فهماً ما بعد بُعد ومحاولة طويلة، لعدم ماهر بلسانهم ممن مع ذي القرنين، وعدم ماهر منهم بلسان أحد ممن معه، وهذا يدل على أن بينهم وبين بقية سكان الأرض غير يأجوج ومأجوج براري شاسعة، وفيافي واسعة، منعت من اختلاطهم بهم، وأن تطيعهم بلسان غيرهم بعيد جداً لقلة حفظهم لخروج بلادهم عن حد الاعتدال، أو لغير ذلك، ويلزم من ذلك أنهم لا يكادون يفهمون غيرهم شيئاً من كلامهم، وذلك معنى قراءة حمزة والكسائي بضم التحتانية وكسر القاف، ودل على أن عدم فهمهم وأفهامهم مقيد بما مضى قوله :﴿قالوا﴾ أي مترجموهم أو جيرانهم - الذين من دونهم - كما في مصحف ابن مسعود ممن يعرف بعض كلامهم، أو بالإشارة كما يخاطب إليكم :﴿يا ذا القرنين﴾ مسنا الضر ﴿إن يأجوج ومأجوج﴾ وهما قبيلتان من الناس من أولاد يافث، لا يطاق أمرهم، ولا يطفأ جمرهم، وقد ثبت في الصحيح في حديث بعث النار أنهم من ذرية آدم عليه السلام ﴿مفسدون في الأرض﴾ بأنواع الفساد ﴿فهل نجعل لك خرجاً﴾ نخرجه لك من أموالنا - هذا على قراءة الجماعة، وزاد حمزة والكسائي ألفاً، فقيل : هما بمعنى واحد، وقيل : بل الخرج ما تبرعت به، والخراج بالألف ما لزمك.
﴿على أن تجعل﴾ في جميع ما ﴿بيننا وبينهم﴾ من الأرض التي يمكن توصلهم إلينا منها بما آتاك الله من المكنة ﴿سداً﴾ يصل بين هذين الجبلين ﴿قال﴾ بعفة وديانة وقصد للخير :﴿ما مكني ﴾.