البحث الثالث : أن ذا القرنين لما بلغ ما بين السدين وجد من دونهما أي من ورائهما مجاوزاً عنهما ﴿قَوْماً﴾ أي أمة من الناس :﴿لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً﴾ قرأ حمزة والكسائي ﴿يفقهون﴾ بضم الياء وكسر القاف على معنى لا يمكنهم تفهيم غيرهم والباقون بفتح الياء والقاف، والمعنى أنهم لا يعرفون غير لغة أنفسهم وما كانوا يفهمون اللسان الذي يتكلم به ذو القرنين، ثم قال تعالى :﴿قَالُواْ يا ذا القرنين إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِى الأرض﴾ فإن قيل : كيف فهم ذو القرنين منهم هذا الكلام بعد أن وصفهم الله بقوله :﴿لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً﴾ والجواب : أن نقول كاد فيه قولان.
الأول : أن إثباته نفي، ونفيه إثبات، فقوله :﴿لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً﴾ لا يدل على أنهم لا يفهمون شيئاً، بل يدل على أنهم قد يفهمون على مشقة وصعوبة.
والقول الثاني : أن كاد معناه المقاربة، وعلى هذا القول فقوله :﴿لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً﴾ أي لا يعلمون وليس لهم قرب من أن يفقهوا.
وعلى هذا القول فلا بد من إضمار، وهو أن يقال : لا يكادون يفهمونه إلا بعد تقريب ومشقة من إشارة ونحوها، وهذه الآية تصلح أن يحتج بها على صحة القول الأول في تفسير كاد.
البحث الرابع : في يأجوج ومأجوج قولان : الأول : أنهما اسمان أعجميان موضوعان بدليل منع الصرف.
والقول الثاني : أنهما مشتقان، وقرأ عاصم يأجوج ومأجوج بالهمز.
وقرأ الباقون ياجوج وماجوج.
وقرىء في رواية آجوج ومأجوج، والقائلون بكون هذين الاسمين مشتقين ذكروا وجوهاً.
الأول : قال الكسائي : يأجوج مأخوذ من تأجج النار وتلهبها فلسرعتهم في الحركة سموا بذلك ومأجوج من موج البحر.
الثاني : أن يأجوج مأخوذ من تأجج الملح وهو شدة ملوحته فلشدتهم في الحركة سموا بذلك.
الثالث : قال القتيبي : هو مأخوذ من قولهم أج الظليم في مشيه يئج أجاً إذا هرول وسمعت حفيفه في عدوه.


الصفحة التالية
Icon