ويجوز أن يكون المعنى أنهم قوم متوغلون في البداوة والبلاهة فلا يفهمون ما يقصده من يخاطبهم.
وقرأ الجمهور ﴿ يَفْقَهُونَ ﴾ بفتح الياء التحتية وفتح القاف أي لا يفهمون قول غيرهم.
وقرأ حمزة، والكسائي بضم الياء وكسر القاف أي لا يستطيعون إفهام غيرهم قولهم.
والمعنيان متلازمان.
وهذا كما في حديث الإيمان :"نسمع دويّ صوته ولا نفهم ما يقول".
وهؤلاء القوم مجاورون ياجوج وماجوج، وكانوا أضعف منهم فسألوا ذا القرنين أن يقيهم من فساد ياجوج وماجوج.
ولم يذكر المفسرون تعيين هؤلاء القوم ولا أسماء قبيلهم سوى أنهم قالوا : هم في منقطع بلاد الترك نحو المشرق وكانوا قوماً صالحين فلا شك أنهم من قبائل بلاد الصين التي تتاخم بلاد المغول والتّتر.
وجملة ﴿ قَالُوا ﴾ استئناف للمحاورة.
وقد بينا في غير موضع أن جمل حكاية القول في المحاورات لا تقترن بحرف العطف كما في قوله تعالى :﴿ قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ﴾ [ البقرة : ٣٠ ] الآية.
فعلى أول الاحتمالين في معنى ﴿ لا يَكَادونَ يَفْقَهونَ قَولاً ﴾ أنهم لا يدركون ما يطلب منهم من طاعة ونظام ومع ذلك يعربون عما في نفوسهم من الأغراض مثل إعراب الأطفال، وعلى الاحتمال الثاني أنهم أمكنهم أن يفهم مرادهم بعد لأي.
وافتتاحهم الكلام بالنداء أنهم نادوه نداء المستغيثين المضطرين، ونداؤهم إياه بلقب ذي القرنين يدل على أنه مشهور بمعنى ذلك اللقب بين الأمم المتاخمة لبلاده.
وياجوج وماجوج أمة كثيرة العدد فيحتمل أن الواو الواقعة بين الاسمين حرف عطف فتكون أمة ذات شعبين، وهم المغول وبعض أصناف التتار.
وهذا هو المناسب لأصل رسم الكلمة ولا سيما على القول بأنهما اسمان عربيان كما سيأتي فقد كان الصنفان متجاورين.


الصفحة التالية
Icon