وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ آتُونِي زُبَرَ الحديد ﴾
أي أعطوني زبر الحديد وناولونيها.
أمرهم بنقل الآلة، وهذا كله إنما هو استدعاء العطية التي بغير معنى الهبة، وإنما هو استدعاء للمناولة، لأنه قد ارتبط من قوله : إنه لا يأخذ منهم الخرج، فلم يبق إلا استدعاء المناولة، وأعمال الأبدان.
و﴿ زُبَرَ الحديد ﴾ قطع الحديد.
وأصل الكلمة الاجتماع، ومنه زُبْرة الأسد لما اجتمع من الشعر على كاهله.
وزبرت الكتاب أي كتبته وجمعت حروفه.
وقرأ أبو بكر والمفضل "ردما ايتوني" من الإتيان الذي هو المجيء ؛ أي جيئوني بزبر الحديد، فلما سقط الخافض انتصب الفعل على نحو قول الشاعر :
أَمَرْتُكَ الخيرَ......
حذف الجار فنصب الفعل.
وقرأ الجمهور "زُبَرَ" بفتح الباء.
وقرأ الحسن بضمها ؛ وكل ذلك جمع زُبْرة وهي القطعة العظيمة منه.
قوله تعالى :﴿ حتى إِذَا ساوى ﴾ يعني البناء فحذف لقوّة الكلام عليه.
﴿ بَيْنَ الصدفين ﴾ قال أبو عبيدة : هما جانبا الجبل، وسميا بذلك لتصادفهما أي لتلاقيهما.
وقاله الزهري وابن عباس ؛ كأنه يعرض عن الآخر ؛ من الصدوف ؛ قال الشاعر :
كلاَ الصَّدَفَين يَنْفُذُه سَنَاهَا...
تَوقَّدُ مثلَ مِصباحِ الظّلامِ
ويقال للبناء المرتفع : صدف تشبيه بجانب الجبل.
وفي الحديث : كان إذا مر بصدف مائل أسرع المشي.
قال أبو عبيد : الصدف والهدف كل بناء عظيم مرتفع.
ابن عطية : الصَّدفَان الجبلان المتناوِحان ولا يقال للواحد صَدف، وإنما يقال صَدَفان للاثنين ؛ لأن أحدهما يصادف الآخر.
وقرأ نافع وحمزة والكسائي "الصَّدَفَيْنِ" بفتح الصاد وشدّها وفتح الدال، وهي قراءة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وعمر بن عبد العزيز، وهي اختيار أبي عبيدة لأنها أشهر اللغات.
وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو "الصُّدُفين" بضم الصاد والدال.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر "الصُّدْفَيْنِ" بضم الصاد وسكون الدال، نحو الجُرْف والجُرُف.


الصفحة التالية
Icon