﴿ فَمَا اسطاعوا ﴾ بحذف تاء الافتعال تخفيفاً وحذَراً عن تلاقي المتقارِبَين، وقرىء بالإدغام وفيه جمعٌ بين الساكنين على غير حِدَة، وقرىء بقلب السين صاداً، والفاء فصيحةٌ أي فعلوا ما أُمروا به من إيتاء القِطْر أو الإتيانِ، فأفرغَه عليه، فاختلط والتصق بعضُه ببعض، فصار جبلاً صَلْداً، فجاء يأجوجُ ومأجوجُ، فقصدوا أن يعلُوه وينقُبوه فما استطاعوا ﴿ أَن يَظْهَرُوهُ ﴾ أي يعلوه ويرقَوا فيه لارتفاعه وملاسته ﴿ وَمَا استطاعوا لَهُ نَقْبًا ﴾ لصلابته وثخانتِه، وهذه معجزةٌ عظيمةٌ لأن تلك الزُبَرَ الكثيرةَ إذا أثرت فيها حرارةُ النار لا يقدر الحيوانُ على أن يحوم حولها فضلاً عن النفخ فيها إلى أن تكون كالنار، أو عن إفراغ القِطر عليها فكأنه سبحانه وتعالى صرف تأثيرَ الحرارةِ العظيمة عن أبدان أولئك المباشرين للأعمال فكان ما كان والله على كل شيء قدير. وقيل : بناه من الصخور مرتبطاً بعضُها ببعض بكلاليب من حديد ونحاسٍ مُذاب في تجاويفها بحيث لم يبق هناك فُرجةٌ أصلاً.
﴿ قَالَ ﴾ أي ذو القرنين لمن عنده من أهل تلك الديارِ وغيرهم ﴿ هذا ﴾ إشارةٌ إلى السد، وقيل : إلى تمكينه من بنائه والفضلُ للمتقدم أي هذا الذي ظهر على يدي وحصل بمباشرتي من السد الذي شأنُه ما ذكر من المتانة وصعوبةِ المنال ﴿ رَحْمَةً ﴾ أي أثرُ رحمةٍ عظيمة عبر عنه بها مبالغةً ﴿ مّن رَّبّى ﴾ على كافة العباد لا سيما على مجاوريه، وفيه إيذانٌ بأنه ليس من قبيل الآثارِ الحاصلةِ بمباشرة الخلقِ عادةً بل هو إحسانٌ إلهي محضٌ وإن ظهر بمباشرتي، والتعرّضُ لوصف الربوبية لتربية معنى الرحمة.