قال بعض المحققين : اعلم أنه كثيراً ما يحدث في الثورات البركانية أن تنخسف بعض البلاد أو ترتفع بعض الأراضي حتى تصير كالجبال. وهذا أمر مشاهد حتى في زمننا هذا. فإذا سلم أن سدّ ذي القرنين المذكور في هذه الآية غير موجود الآن، فربما كان ذلك ناشئاً من ثورة بركانية خسفت به وأزالت آثاره. ولا يوجد في القرآن ما يدل على بقائه إلى يوم القيامة. أما قوله تعالى :﴿ قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ ﴾ فمعناه أن هذا السد رحمة من الله بالأمم القريبة منه. لمنع غارات يأجوج ومأجوج عنهم، ولكن يجب عليهم أن يفهموا أن مع متانته وصلابته لا يمكن أن يقاوم مشيئة الله القويّ القدير، فإن بقاءه إنما هو بفضل الله. ولكن إذا قامت القيامة وأراد الله فناء هذا العالم، فلا هذا السد ولا غيره من الجبال الراسيات يمكنها أن تقف عثرة، لحظة واحدة أمام قدرة الله. بل يدكها جمعاء دكّاً في لمح البصر. فمراد ذي القرنين بهذا القول تنبيه تلك الأمم على عدم الاغترار بمناعة هذا السد، أو الإعجاب والغرور بقوتهم. فإنها لا شيء يذكر بجانب قوة الله. فلا يصح أن يستنتج من ذلك أن هذا السدّ يبقى إلى يوم القيامة، بل صريحه أنه إذا قامت القيامة في أي : وقت كان، وكان هذا السد موجوداً، دكّه الله دكاً، وأما إذا تأخرت فيجوز أن يدك قبلها بأسباب أخرى. كالزلازل إذا قدم عهده. وكالثورات البركانية كما قلنا. وليس في الآية ما ينافي ذلك. وأما قوله تعالى :﴿ حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ ﴾ فالمراد منه خروجهم بكثرة وانتشارهم في الأرض، كما يخرج الشيء المحبوس أو المضغوط إذا انفجر. واستعمال لفظ الفتح مجازاً شائع في اللغة. ومنه قولك فتحوا البلاد وقوله تعالى :﴿ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [ الأنعام : ٤٤ ]، فليس للأشياء أبواب. وكذلك يأجوج ومأجُوج لا باب لهم.


الصفحة التالية
Icon