ومقتضى الظاهر أن يُبتدأ بفعل ﴿ اسَتَطَاعُوا ﴾ ويثني بفعل ﴿ اسْطَاعُوَا ﴾ لأنه يثقل بالتكرير، كما وقع في قوله آنفاً ﴿ سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً ﴾ [ الكهف : ٧٨ ] ثم قوله :﴿ ذلك تأويل ما لم تَسْطِع عليه صبراً ﴾ [ الكهف : ٨٢ ].
ومن خصائص مخالفة مقتضى الظاهر هنا إيثار فعل ذي زيادة في المبنى بموقع فيه زيادة المعنى لأن استطاعة نقب السد أقوى من استطاعة تسلقه، فهذا من مواضع دلالة زيادة المبنى على زيادة في المعنى.
وقرأ حمزة وحده ﴿ فَما اسْطَّاعوا الأول بتشديد الطاء مدغماً فيها التاء.
وجملة قال هذا رحمة من ربي ﴾ مستأنفة استئنافاً بيانياً، لأنه لما آذن الكلام بانتهاء حكاية وصف الردم كان ذلك مثيراً سؤال من يسأل : ماذا صدر من ذي القرنين حين أتم هذا العمل العظيم؟ فيجاب بجملة :﴿ قال هذا رحمة من ربي ﴾.
والإشارة بهذا إلى الرّدم، وهو رحمة للناس لما فيه من ردّ فساد أمّة ياجوج وماجوج عن أمة أخرى صالحة.
و( من ) ابتدائية، وجعلت من الله لأنّ الله ألهمه لذلك ويسرّ له ما هو صعب.
وفرع عليه ﴿ فإذا جاء وعد ربي جعله دكاً ﴾ نطقاً بالحكمة لأنه يعلم أن كل حادث صائر إلى زوال.
ولأنه علم أن عملاً عظيماً مثل ذلك يحتاج إلى التعهد والمحافظة عليه من الانهدام، وعلم أنّ ذلك لا يتسنى في بعض أزمان انحطاط المملكة الذي لا محيص منه لكلّ ذي سلطان.
والوعد : هو الإخبار بأمر مستقبل.
وأراد به ما في علم الله تعالى من الأجل الذي ينتهي إليه دوام ذلك الردم، فاستعار له اسم الوعد.
ويجوز أن يكون الله قد أوحى إليه إن كان نبيئاً أو ألهمه إن كان صالحاً أن لذلك الردم أجلاً معيناً ينتهي إليه.
وقد كان ابتداء ذلك الوعد يوم قال النبي ﷺ " فُتح اليوم من رَدم ياجوج وماجوج هكذا، وعقد بين أصبعيه الإبهام والسبابة " كما تقدم.