ووجه المشابهة بين إعراضهم وبين الاشتراء، أن إعراضهم عن آيات القرآن لأجل استبقاء السيادة، والنفع في الدنيا يشبه استبدال المشترِي في أنه يعطي ما لا حاجة له به ويأخذ ما إليه احتياجه وله فيه منفعته، ففي ﴿تشتروا﴾ استعارة تحقيقية في الفعل، ويجوز كون ﴿تشتروا﴾ مجازاً مرسلاً بعلاقة اللزوم أو بعلاقة الاستعمال المقيد في المطلق كما تقدم في قوله تعالى :﴿أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى﴾ [ البقرة : ١٦ ]، لكن هنا الاستعارة متأتية فهي أظهر لظهور علاقة المشابهة واستغناءِ علاقة المشابهة عن تطلب وجه العدول عن الحقيقة إلى المجاز لأن مقصد التشبيه وحده كاف في العدول إلى الاستعارة، إذ التشبيه من مقاصد البلغاء.
وإذ قد كان فعل الاشتراء يقتضي شيئين أبدل أحدهما بالآخر جُعل العوض المرغوب فيه هو المشتري وهو المأخوذ ويعدى إلى الفعل بنفسه، وجعل العوض الآخر هو المدفوع ويسمى الثمن ويتعدى الفعل إليه بالباء الدالة على معنى العوض.
وقد عدي الاشتراءُ هنا إلى الآيات بالباء فكانت الآيات هي الواقعة موقع الثمن لأن الثمن هو مدخل الباء فدل دخول الباء على أن الآيات شبهت بالثمن في كونها أهون العوضين عند المستبدل، وذكر الباء قرينة المكنية لأنها تدخل على الثمن ولا يصح كونها تبعية إذ ليس ثم معنى حقه أن يؤدى بالحرف شبه بمعنى الباء، فها هنا يتعين سلوك طريقة السكاكي في رد التبعية للمكنية.
ولا يصح أيضاً جعل الباء تخييلاً إذ ليست دالة على معنى مستقل يمكن تخيله.