وقد وقع ﴿ثمناً﴾ نكرةً في سياق النهي وهو كالنفي فشمل كل عوض، كما وقعت الآيات جمعاً مضافاً فشملت كل آية، كما وقع الفعل في سياق النفي فشمل كل اشتراء إذ الفعل كالنكرة.
والخطاب وإن كان لبني إسرائيل غير أن خطابات القرآن وقصصه المتعلقة بالأمم الأخرى إنما يقصد منها الاعتبار والاتعاظ فنحن محذرون من مثل ما وقعوا فيه بطريق الأوْلى لأننا أولى بالكمالات النفسية كما قال بشار :
الحُر يُلْحَى والعَصا للعبد...
وكالبيت السائر :
العَبْد يُقرع بالعَصا...
والحُر تكفيه الإشَارَه
فعلماؤنا منهيون على أن يأتوا بما نهي عنه بنو إسرائيل من الصدف عن الحق لأعراض الدنيا وكذلك كانت سيرة السلف رضي الله عنهم.
ومن هنا فرضت مسألة جعلها المفسرون متعلقة بهاته الآية وإن كان تعلقها بها ضعيفاً وهي مسألة أخذ الأجرة على تعليم القرآن والدين ويتفرع عنها أخذ الأجرة على تعليم العلم وعلى بعض ما فيه عبادة كالأذان والإمامة.
وحاصل القول فيها أن الجمهور من العلماء أجازوا أخذ الأجر على تعليم القرآن فضلاً عن الفقه والعلم فقال بجواز ذلك الحسن وعطاء والشعبي وابن سيرين ومالك والشافعي وأحمد وأبو ثور والجمهور، وحجتهم في ذلك الحديث الصحيح عن ابن عباس أن النبيء ﷺ قال :" إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله " وعليه فلا محل لهاته الآية على هذا المعنى عندهم بحال ؛ لأن المراد بالاشتراء فيها معناه المجازي وليس في التعليم استبدال ولا عدول ولا إضاعة.
وقد نقل ابن رشد إجماع أهل المدينة على الجواز ولعله يريد إجماع جمهور فقهائهم.
وفي " المدونة" : لا بأس بالإجارة على تعليم القرآن.


الصفحة التالية
Icon