الرابعة : روى الدارميّ أبو محمد في مسنده أخبرنا يعقوب بن إبراهيم قال حدّثنا محمد بن عمر بن الكُمَيْت قال حدثنا علي بن وهب الهمدانيّ قال أخبرنا الضحاك بن موسى قال : مرّ سليمان بن عبد الملك بالمدينة وهو يريد مكة فأقام بها أياماً ؛ فقال : هل بالمدينة أحد أدرك أحداً من أصحاب النبيّ ﷺ ؟ قالوا له : أبو حازم ؛ فأرسل إليه ؛ فلما دخل عليه قال له : يا أبا حازم ما هذا الجفاء ؟ قال أبو حازم : يا أمير المؤمنين وأيّ جفاء رأيت مني ؟ قال : أتاني وجوه أهل المدينة ولم تأتني! قال : يا أمير المؤمنين أعيذك بالله أن تقول ما لم يكن، ما عَرَفتني قبل هذا اليوم ولا أنا رأيتك! قال : فالتفت إلى محمد بن شهاب الزهريّ فقال : أصاب الشيخ وأخطأت.
قال سليمان : يا أبا حازم، ما لنا نكره الموت ؟! قال : لأنكم أخربتم الآخرة وعمرتم الدنيا فكرهتم أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب ؛ قال : أصبت يا أبا حازم، فكيف القدوم غداً على الله تعالى ؟ قال : أمّا المحسن فكالغائب يَقْدَم على أهله، وأمّا المسيء فكالآبق يَقْدَم على مولاه.
فبكى سليمان وقال : ليت شعري! ما لنا عند الله ؟ قال : أعرض عملك على كتاب الله.
قال : وأيّ مكان أجده ؟ قال :﴿إِنَّ الأبرار لَفِي نَعِيم.
وَإِنَّ الفجار لَفِي جَحِيمٍ﴾ [ الانفطار : ١٣ ١٤ ].
قال سليمان : فأين رحمة اللَّه يا أبا حازم ؟ قال أبو حازم : رحمة اللَّه قريب من المحسنين.
قال له سليمان : يا أبا حازم، فأيّ عباد اللَّه أكرم ؟ قال : أولو المروءة والنُّهى.
قال له سليمان : فأيّ الأعمال أفضل ؟ قال أبو حازم : أداء الفرائض مع اجتناب المحارم.
قال سليمان : فأي الدعاء أسمع ؟ قال : دعاء المحسَن إليه للمحسِن.
فقال ؛ أيّ الصدقة أفضل ؟ قال : للسائل البائس، وجُهْد المُقِلّ، ليس فيها مَنٌّ ولا أذًى.
قال : فأيّ القول أعدل ؟ قال : قولُ الحق عند مَن تخافه أو ترجوه.