قلت : هكذا يكون الاقتداء بالكتاب والأنبياء.
انظروا إلى هذا الإمام الفاضل والحبر العالم كيف لم يأخذ على عمله عِوَضاً، ولا على وصيّته بَدْلاً، ولا على نصيحته صَفَداً ؛ بل بيّن الحق وصَدَع، ولم يلحقه في ذلك خوف ولا فَزَع.
قال رسول الله ﷺ :" لا يمنعنّ أحدكم هيبةُ أحد أن يقول أو يقوم بالحق حيث كان " وفي التنزيل :﴿يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائم﴾. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ١ صـ ٣٣٤ ـ ٣٤٠﴾
فائدة
قال أبو حيان :
قال صاحب المنتخب : والفرق أن الرهبة عبارة عن الخوف، وأمّا الاتقاء فإنه يحتاج إليه عند الجرم بحصول ما يتقي منه، فكأنه تعالى أمرهم بالرهبة لأجل أن جواز العقاب قائم، ثم أمرهم بالتقوى لأن تعين العقاب قائم، انتهى كلامه.
ومعنى جواز العقاب هناك وتعيينه هنا : أن ترك ذكر النعمة والإيفاء بالعهد ظاهره أنه من المعاصي التي تجوز العقاب، إذ يجوز أن يقع العفو عن ذلك، وترك الإيمان بما أنزل الله تعالى، وشراء الثمن اليسير بآيات الله من المعاصي التي تحتم العقاب وتعينه، إذ لا يجوز أن يقع العفو عن ذلك، فقيل في ذلك :﴿فارهبون﴾، وقيل في هذا :﴿فاتقون﴾، أي اتخذوا وقاية من عذاب الله إن لم تمتثلوا ما أمرتكم به.
والأحسن أن لا يقيد ارهبون واتَّقون بشيء، بل ذلك أمر بخوف الله واتقائه، ولكن يدخل فيه ما سيق الأمر عقيبه دخولاً واضحاً، فكان المعنى : ارهبون، إن لم تذكروا نعمتي ولم توفوا بعهدي، واتقون، إن لم تؤمنوا بما أنزلت وإن اشترتيتم بآياتي ثمناً قليلاً. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ١ صـ ٣٣٤﴾