كثيراً ما يستدل مجادلة أهل الكتاب على عدم تحريف كتبهم بهذه الآية وأمثالها، كآية :﴿ وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ ﴾ [ البقرة : ٨٩ ]، وآية :﴿ وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾ [ يونس : ٣٧ ] وغيرهما. مع أنه ثبت بالبراهين القاطعة ذهاب قدر كبير من كتبهم، واختلاط حقها بباطلها فيما بقي، كما صنفت في ذلك مصنفات عدة، وقد رُد استدلالهم بهذه الآية وأمثالها على ما ادعوه، بأن معنى كون القرآن مصدقاً لما معهم، ما ذكرناه قبل في تأويلها ؛ وحاصله أن ما أنزل عليه ﷺ هو طبق ما عندهم من حقية نبوته، وصحة البشائر عنه، كما قال تعالى :﴿ وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ ﴾ أي : أنه عليه السلام جاء طبق ما عندهم عنه في التوراة والإنجيل، وبمعنى أن أحواله جميعاً توافق البشائر.
﴿ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ﴾ يعني من جنسكم أهل الكتاب، بعد سماعكم بمبعثه. فالأولية نسبية، فإن يهود المدينة أول بني إسرائيل خوطبوا بالقرآن، أو هو تعريض بأنه كان يجب أن يكونوا أول من يؤمن به لمعرفتهم به وبصفته، ولأنهم كانوا المبشرين بزمان من أوحى إليه، والمستفتحين على الذين كفروا به، وكانوا يعدون أتباعه أول الناس كلهم، ، فلما بعث كان أمرهم على العكس، لقوله :﴿ فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ﴾.
﴿ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً ﴾ أي : لا تعتاضوا عن الإيمان بآياتي وتصديق رسولي، بالدنيا وشهواتها، فإنها قليلة فانية، فالاشتراء استعارة للاستبدال ﴿ وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ ﴾ بالإيمان واتباع الحق، والإعراض عن حطام الدنيا. أ هـ ﴿محاسن التأويل حـ ٢ صـ ٣٢٩ ـ ٣٣٠﴾