أما قوله :﴿مُصَدّقاً لّمَا مَعَكُمْ﴾ ففيه تفسيران :
أحدهما : أن في القرآن أن موسى وعيسى حق وأن التوراة والإنجيل حق وأن التوراة أنزلت على موسى والإنجيل على عيسى عليهما السلام فكان الإيمان بالقرآن مؤكداً للإيمان بالتوراة والإنجيل فكأنه قيل لهم : إن كنتم تريدون المبالغة في الإيمان بالتوراة والإنجيل فآمنوا بالقرآن فإن الإيمان به يؤكد الإيمان بالتوراة والإنجيل.
والثاني : أنه حصلت البشارة بمحمد ﷺ وبالقرآن في التوراة والإنجيل فكأن الإيمان بمحمد وبالقرآن تصديقاً للتوراة والإنجيل، وتكذيب محمد والقرآن تكذيباً للتوراة والإنجيل، وهذا التفسير أولى لأن على التفسير الأول لا يلزم الإيمان بمحمد عليه السلام لأنه بمجرد كونه مخبراً عن كون التوراة والإنجيل حقاً لا يجب الإيمان بنبوته : أما على التفسير الثاني يلزم الإيمان به لأن التوراة والإنجيل إذا اشتملا على كون محمد ﷺ صادقاً فالإيمان بالتوراة والإنجيل يوجب الإيمان بكون محمد صادقاً لا محالة، ومعلوم أن الله تعالى إنما ذكر هذا الكلام ليكون حجة عليهم في وجوب الإيمان بمحمد ﷺ، فثبت أن هذا التفسير أولى.
واعلم أن هذا التفسير الثاني يدل على نبوة محمد ﷺ من وجهين :
الأول : أن شهادة كتب الأنبياء عليهم السلام لا تكون إلا حقاً، والثاني : أنه عليه السلام أخبر عن كتبهم ولم يكن له معرفة بذلك إلا من قبل الوحي. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٣ صـ ٣٨ ـ ٣٩﴾
قال ابن عاشور :
﴿وَءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ﴾.
شروع في دعوة بني إسرائيل إلى الإسلام وهدي القرآن وهذا هو المقصود من خطابهم ولكن قدم بين يديه ما يهيىء نفوسهم إلى قبوله كما تتقدم المقدمة على الغرض، والتخليةُ على التحلية.


الصفحة التالية
Icon