احتج المخالفون على الطعن في قول أصحابنا أن كلام الله تعالى واحد بهذه الآية، وقالوا : إنها صريحة في إثبات كلمات الله تعالى وأصحابنا حملوا الكلمات على متعلقات علم الله تعالى، قال الجبائي : وأيضاً قوله :﴿قَبْلَ أَن تَنفَدَ كلمات رَبّى﴾ يدل على أن كلمات الله تعالى قد تنفد في الجملة وما ثبت عدمه امتنع قدمه، وأيضاً قال :﴿ولَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مِدَاداً﴾ وهذا يدل على أنه تعالى قادر على أن يجيء بمثل كلامه والذي يجاء به يكون محدثاً والذي يكون المحدث مثلاً له فهو أيضاً محدث وجواب أصحابنا أن المراد منه الألفاظ الدالة على تعلقات تلك الصفة الأزلية، واعلم أنه تعالى لما بين كمال كلام الله أمر محمداً ﷺ بأن يسلك طريقة التواضع فقال :﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَاْ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ يوحى إِلَىَّ﴾ أي لا امتياز بيني وبينكم في شيء من الصفات إلا أن الله تعالى أوحى إلي أنه لا إله إلا الله الواحد الأحد الصمد، والآية تدل على مطلوبين : الأول : أن كلمة ﴿إِنَّمَا﴾ تفيد الحصر وهي قوله :﴿أَنَّمَا إلهكم إله واحد ﴾.
والثاني : أن كون الإله تعالى :﴿إلها واحدا﴾ يمكن إثباته بالدلائل السمعية، وقد قررنا هذين المطلوبين في سائر السور بالوجوه القوية، ثم قال :﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّهِ﴾ والرجاء هو ظن المنافع الواصلة إليه والخوف ظن المضار الواصلة إليه، وأصحابنا حملوا لقاء الرب على رؤيته والمعتزلة حملوه على لقاء ثواب الله وهذه المناظرة قد تقدمت والعجب أنه تعالى أورد في آخر هذه السورة ما يدل على حصول رؤية الله في ثلاث آيات : أولها : قوله :
﴿أُوْلَئِكَ الذين كَفَرُواْ بآيات رَبّهِمْ وَلِقَائِهِ﴾ [ الكهف : ١٠٥ ].


الصفحة التالية
Icon