ولما تم الجواب عن أسئلتهم على أحسن الوجوه مخللاً بما تراه من الحجج البينة والنفائس الملزمة لهم بفصل النزاع، وأتبع ذلك بقص الأمر الذي بإغفاله تجرؤوا على الكفر، وهو أمر البعث إلى أن ختمه بما يقتضي أن معلوماته لا تحد، لأن مقدوراته في تنعيم أهل الجنة لا آخر لها فلا تعد، وكان اليهود قد اعترضوا على قوله في أولها ﴿وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً﴾ [ الإسراء : ٨٥ ] بأنهم أوتوا التوراة، وكان لكل ما سألوا عنه من الفصول الطويلة الذيول أمور تهول، وكان ربما قال قائل : ما له لا يزيد ذلك شرحاً؟ قال تعالى آمراً بالجواب عن ذلك كله، معلماً لهم بأنهم لا يمكنهم الوقوف على تمام شرح شيء من معلوماته، وآخر استفصال شيء من مقدوراته، قطعاً لهم عن السؤال، وتقريباً إلى أفهامهم بضرب من المثال :﴿قل﴾ أي يا أشرف الخلق لهم :﴿لو كان البحر﴾ أي ماؤه على عظمته عندكم ﴿مداداً﴾ وهو اسم لما يمد به الدواة من الحبر ﴿لكلمات﴾ أي لكتب كلمات ﴿ربي﴾ أي المحسن إليّ في وصف ذكر وغيره مما تعنتموه في السؤال عما سألتم عنه أو غير ذلك ﴿لنفد﴾ أي فني مع الضعف فناء لا تدارك له ﴿البحر﴾ لأنه جسم متناه.


الصفحة التالية
Icon