وقال ملا حويش :
تفسير سورة مريم
عدد ٤٤ - ١٩
نزلت بمكة بعد سورة فاطر عدا الآيتين ٥٨ و٧١، وتسمى سورة كهيعص، ولا يوجد في القرآن سورة مبدوءة بما بدئت به، وهي ثمان وتسعون آية، وسبعمائة وثمانون كلمة، وثلاثة آلاف وسبعمائة حرف.

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

قال تعالى "كهيعص" ١ كلمة مؤلفة من مبادئ أسماء اللّه تعالى الحسنى كريم وكبير، وهاد، ورحيم، وعليم، وصادق، وصبور، ولا يعلم معناها الحقيقي إلا اللّه والمنزل عليه هذا القرآن، راجع تفسير المص تجد ما يتعلق بها، وهذا الذي نتلوه عليك يا أكرم الرسل "ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا" ٢ حينما دعا ربه بطلب الولد وأنعم عليه به بعد كبر سنه وعقر زوجته وكبرها على عقمها، فاذكر لقومك معجزة ربهم لرسوله زكريا كيف رحمه وأجاب دعاءه "إِذْ نادى رَبَّهُ" سأله واستغاث به "نِداءً خَفِيًّا" ٣ سرا بينه وبين ربه، لأنه أبعد عن الرياء وأدخل في الإخلاص، ولئلا يلومه قومه إذا سمعوا منه طلب الولد من ربه مع شيخوخته وعقم زوجته، لأنهم يرون ذلك طلبا تافها عقيما محالا، ولا ينبغي لمثله وهو على ما هو عليه من المركز بينهم أن
يفعل ذلك، لعدم معرفتهم بقدرة اللّه الذي له خرق العادات لضعف إيمانهم، ثم ذكر صفة دعائه بقوله عز قوله "قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ" دق وضعف من الكبر "الْعَظْمُ مِنِّي" وإذا كان العظم صار كذلك، فما بالك باللحم وغيره من قوام وجوده ؟ وزاد لفظة (مني) مع أنه لو قال عظمي لكفى بالمقصود، لأنه أحوج في الدلالة على الجنسية المقصودة هنا وهي أفصح ما يمكن أن يقال في هذا المقام وقد أخذ ابن دريد قوله :
واشتعل المبيّض في مسودّه مثل اشتعال النار في جمر الغضا


الصفحة التالية
Icon