"يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى " وهو أسم خصصناه به "لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ" في الدهور الماضية "سَمِيًّا" ٧ قط تشريفا له وفيه إعلام بأن الغريب جدير بالأثرة وكان ذلك لأنه لم يكن له مثل في أنه يعص اللّه قط ولم يهمّ بمعصية قط، وانه ولد بين شخصين هرمين، وأنه كان حصور لا يأتي النساء مع القدرة، لأن الأنبياء كاملين لا يعتريهم خلل، ولم يشرب الخمر
مع أنه غير محرم عليه، ولم يلعب مع الصبيان.
قالوا كانت العرب تسمي بالأسماء النادرة لهذه الغاية، قال بعضهم في مدح قوم :
شنع الأسامي مسبلي أزر حمر تمس الأرض أهدابها
وقيل للصلت بن عطاء : كيف تقدمت عند البرامكة وعندهم من هو آدب منك ؟
فقال : لأني غريب الدار غريب الاسم خفيف الجرم.
وكانت تختار الأسماء التي يتفاءل بها بعيدهم : كسعد وسعيد ومبارك ورزق ومرزوق ومسعود ومهنأ وبشير وشبهها، ويختارون الأسماء الدالة على الغلظة والشر لأنفسهم : كغضبان وعذاب وجدعان ومرار وذباح وهامة ونمر وفهد وما أشبه ذلك.
ولما قيل لهم في ذلك قالوا إن اسماء عبيدنا لنا فنختار الأحسن، وأسماؤنا لأعدائنا فنختار لهم ما يوقع مهابتنا فيهم، مثل الضاري والسبع والهيثم والعادي، أما الأسماء المطلوبة في الإسلام فهي كما قال عليه الصلاة والسلام : خير الأسماء ما عبد وحمد كعبد اللّه وعبد الرحمن وعبد اللطيف ومحمد وأحمد ومحمود وما أشبه ذلك، وكرهوا اسم نافع ورابح وخير وشبهها لتفاؤل الشر بنفيها من قولهم لا نافع ولا رابح ولا خير في الدار إلى غير ذلك، وحرموا التسمية بعبد الحارث وعبد العزى وعبد الدار وغيرها من اسماء الجاهلية لما فيها من نسبة العبودية لغير اللّه تعالى "قالَ رَبِّ أَنَّى" كيف "يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا"


الصفحة التالية
Icon