موته قبله بالطريق المذكور لم يصح أصلاً، وينتفي الاعتراض رأساً، فإن التواريخ القديمة إنما هي عن اليهود فهي لا شيء، مع أن البغوي نقل في أول تفسير سورة بني إسرائيل ما يقتضي موت زكريا قبل يحيى عليهما الصلاة والسلام، فإنه قال : آخر من بعث الله فيهم من أنبيائهم زكريا ويحيى وعيسى عليهم الصلاة والسلام، وكانوا من بيت آل داود عليه السلام فمات زكريا عليه السلام، وقيل : قتل، فلما رفع الله عيسى عليه الصلاة والسلام من بين أظهرهم وقتلوا يحيى ابتعث الله عليهم ملكاً من ملوك بابل يقال له خردوش فسار إليهم بأهل بابل حتى دخل عليهم الشام، فلما ظهر عليهم أمر رأساً من رؤوس جنوده يدعى بيوزردان صاحب الفيل فقال : إني كنت قد حلفت بإلهي : لئن أنا ظهرت على أهل بيت المقدس لأقتلنهم حتى تسيل دماؤهم في وسط عسكري إلا أن لا أجد أحداً أقتله، فأمره أن يقتلهم حتى يبلغ ذلك منهم، وأن بيوزردان دخل بيت المقدس فقام في البقعة التي كانوا يقربون فيها قربانهم، فوجد فيها دماً يغلي فقال : يا بني إسرائيل! ما شأن هذا الدم يغلي؟ قالوا : هذا دم قربان لنا قربناه فلم يقبل منا، فقال : ما صدقتموني، قالوا : لو كان تأول زماننا لتقبل منا، ولكن قد انقطع منا الملك والوحي فلذلك لم يقبل منا، فذبح منهم بيوزردان على ذلك الدم سبعمائة وسبعين رجلاً من رؤوسهم فلم يهدأ، فأتى بسبعمائة غلام من غلمانهم فذبحهم على الدم يهدأ، فأمر بسبعة آلاف من شيبهم وأزواجهم فذبحهم على الدم فلم يبرد، فلما رأى بيوزردان أن الدم لا يهدأ قال لهم : يا بني إسرائيل! ويلكم! أصدقوني واصبروا على أمر ربكم، فقد طال ما ملكتم الأرض تفعلون فيها ما شئتم قبل أن لا أترك منكم نافخ نار أنثى ولا ذكر إلا قتلته، فلما رأوا الجد وشدة القتل صدقوا الخبر فقالوا : إن هذا دم نبي كان ينهانا عن أمور كثيرة من سخط الله عز وجل، فلو أطعناه فيها لكان أرشد منا، وكان يخبرنا بأمركم