أما قوله :﴿وَإِنّي خِفْتُ﴾ فهو وإن خرج على لفظ الماضي لكنه يفيد أنه في المستقبل أيضاً، كذلك يقول الرجل قد خفت أن يكون كذا وخشيت أن يكون كذا أي أنا خائف لا يريد أنه قد زال الخوف عنه وهكذا قوله :﴿وَكَانَتِ امرأتى عَاقِرًا﴾ أي أنها عاقر في الحال وذلك لأن العاقر لا تحول ولوداً في العادة ففي الإخبار عنه بلفظ الماضي إعلام بتقادم العهد في ذلك وغرض زكرياء من هذا الكلام بيان استبعاد حصول الولد فكان إيراده بلفظ الماضي أقوى وإلى هذا يرجع الأمر في قوله : وإني خفت الموالي من ورائي لأنه إنما قصد به الإخبار وعن تقادم الخوف ثم استغنى بدلالة الحال وما يوجب مسألة الوارث وإظهار الحاجة عن الإخبار بوجود الخوف في الحال وأيضاً فقد يوضع الماضي مكان المستقبل وبالعكس قال الله تعالى :
﴿وَإِذْ قَالَ الله ياعيسى ابن مَرْيَمَ أأنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ﴾ [ المائدة : ١١٦ ] والله أعلم وأما قوله ﴿من ورائي﴾ ففيه قولان : الأول : قال أبو عبيدة أي قدامي وبين يدي وقال آخرون أي بعد موتي وكلاهما محتمل فإن قيل كيف خافهم من بعده وكيف علم أنهم يبقون بعده فضلاً من أن يخاف شرهم ؟ قلنا : إن ذلك قد يعرف بالأمارات والظن وذلك كاف في حصول الخوف فربما عرف ببعض الإمارات استمرارهم على عادتهم في الفساد والشر واختلف في تفسير قوله :﴿فَهَبْ لِى مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً﴾ فالأكثرون على أنه طلب الولد وقال آخرون بل طلب من يقوم مقامه ولداً كان أو غيره والأقرب هو الأول لثلاثة أوجه.
الأول : قوله تعالى في سورة آل عمران حكاية عنه :﴿قَالَ رَبّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرّيَّةً طَيّبَةً﴾ [ آل عمران : ٣٨ ].
والثاني : قوله في هذه السورة :﴿هَبْ لِى مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً يَرِثُنِى وَيَرِثُ مِنْ ءالِ يَعْقُوبَ ﴾.


الصفحة التالية
Icon