الثاني : أنه قال ﴿واجعله رَبّ رَضِيّاً﴾ ولو كان المراد من الإرث إرث النبوة لكان قد سأل جعل النبي ﷺ رضياً وهو غير جائز لأن النبي لا يكون إلا رضياً معصوماً، وأما قوله عليه السلام :" إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة " فهذا لا يمنع أن يكون خاصاً به واحتج من حمله على العلم أو المنصب والنبوة بما علم من حال الأنبياء أن اهتمامهم لا يشتد بأمر المال كما يشتد بأمر الدين، وقيل لعله أوتي من الدنيا ما كان عظيم النفع في الدين فلهذا كان مهتماً به أما قوله النبوة كيف تورث قلنا المال إنما يقال ورثه الابن بمعنى قام فيه مقام أبيه وحصل له من فائدة التصرف فيه ما حصل لأبيه وإلا فملك المال من قبل الله لا من قبل المورث فكذلك إذا كان المعلوم في الإبن أن يصير نبياً بعده فيقوم بأمر الدين بعده جاز أن يقال ورثه أما قوله عليه السلام :" إنا معشر الأنبياء " فهذا وإن جاز حمله على الواحد كما في قوله تعالى :﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر﴾ [ الحجر : ٩ ] لكنه مجاز وحقيقته الجمع والعدول عن الحقيقة من غير موجب لا يجوز لا سيما وقد روي قوله :" إنا معاشر الأنبياء لا نورث " والأولى أن يحمل ذلك على كل ما فيه نفع وصلاح في الدين وذلك يتناول النبوة والعلم والسيرة الحسنة والمنصب النافع في الدين والمال الصالح، فإن كل هذه الأمور مما يجوز توفر الدواعي على بقائها ليكون ذلك النفع دائماً مستمراً.


الصفحة التالية
Icon