وقال الجصاص :
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ إذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا ﴾
فَمَدَحَهُ بِإِخْفَاءِ الدُّعَاءِ، وَفِيهِ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ إخْفَاءَهُ أَفْضَلُ مِنْ الْجَهْرِ بِهِ، وَنَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى :﴿ اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ﴾ وَرَوَى سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ خَيْرُ الذِّكْرِ الْخَفِيُّ وَخَيْرُ الرِّزْقِ مَا يَكْفِي ﴾.
وَعَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنْ يَدْعُوَ الْإِمَامُ فِي الْقُنُوتِ وَيُؤَمِّنَ مَنْ خَلْفَهُ، وَكَانَ لَا يُعْجِبُهُ رَفْعَ الْأَصْوَاتِ.
وَرَوَى أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ ﴿ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي سَفَرٍ فَرَأَى قَوْمًا قَدْ رَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالدُّعَاءِ فَقَالَ : إنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمًّا وَلَا غَائِبًا إنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إلَيْكُمْ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾.
قَوْله تَعَالَى :﴿ وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي ﴾
رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَأَبِي صَالِحٍ وَالسُّدِّيِّ : أَنَّ الْمَوَالِيَ الْعُصْبَةُ وَهُمْ بَنُو أَعْمَامِهِ، خَافَهُمْ عَلَى الدِّينِ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا شِرَارَ بَنِي إسْرَائِيلَ.
قَوْله تَعَالَى :﴿ فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْك وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ﴾ سَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَرْزُقَهُ وَلَدًا ذَكَرًا يَلِي أُمُورَ الدِّينِ وَالْقِيَامَ بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِخَوْفِهِ مِنْ بَنِي أَعْمَامِهِ عَلَى تَبْدِيلِ دِينِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ.
وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةُ عَنْ الْحَسَنِ فِي قَوْله تَعَالَى :﴿ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ﴾ قَالَ :" نُبُوَّتَهُ وَعِلْمَهُ ".