﴿ فَخَرَجَ على قَوْمِهِ مِنَ المحراب ﴾ أي من المصلّى أو من الغرفة وكانوا من وراء المحرابِ ينتظرونه أن يفتح لهم البابَ فيدخلوه ويصلّوا إذْ خرج عليهم متغيِّراً لونُه فأنكروه وقالوا : ما لك؟ ﴿ فأوحى إِلَيْهِمْ ﴾ أي أومأ إليهم لقوله تعالى :﴿ إِلاَّ رَمْزًا ﴾ وقيل : كتب على الأرض وأنْ في قوله تعالى :﴿ أَن سَبّحُواْ ﴾ إما مفسرةٌ لأوحى أو مصدريةٌ والمعنى أن صلّوا أو بأن صلوا ﴿ بُكْرَةً وَعَشِيّاً ﴾ هما ظرفا زمانٍ للتسبيح.
عن أبي العالية : أن المرادَ بهما صلاةُ الفجر وصلاةُ العصر، أو نزِّهوا ربكم طرفي النهار ولعله كان مأموراً بأن يسبِّح شكراً ويأمرَ قومه بذلك.
﴿ يَا يحيى ﴾ استئناف طُويَ قبله جملٌ كثيرةٌ مسارعةً إلى الإنباء بإنجاز الوعدِ الكريم أي قلنا : يا يحيى ﴿ خُذِ الكتاب ﴾ التوراةَ ﴿ بِقُوَّةٍ ﴾ أي بجد واستظهار بالتوفيق ﴿ وَاتَيْنَاهُ الحكم صَبِيّاً ﴾ قال ابن عباس رضي الله عنهما : الحكمُ النبوةُ استنبأه وهو ابنُ ثلاثِ سنين، وقيل : الحُكمُ الحِكمةُ وفهمُ التوراة والفقهُ في الدين. روي أنه دعاه الصبيانُ إلى اللعب، فقال : ما لِلَّعب خُلقنا.
﴿ وَحَنَانًا مّن لَّدُنَّا ﴾ عطف على الحُكم وتنوينُه للتفخيم وهو التحنّنُ والاشتياق، ومن متعلقةٌ بمحذوف وقع صفةً مؤكدةً لما أفاده التنوينُ من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافيةِ، أي وآتيناه رحمةً عظيمةً عليه كائنة من جنابنا أو رحمةً في قلبه وشفقةً على أبويه وغيرِهما ﴿ وزكواة ﴾ أي طهارةً من الذنوب أو صدقةً تصدقنا به على أبويه أو وفقناه للتصدق على الناس ﴿ وَكَانَ تَقِيّا ﴾ مطيعاً متجنباً عن المعاصي.
﴿ وَبَرّا بوالديه ﴾ عطف على تقياً أي بارًّا بهما لطيفاً بهما محسناً إليهما ﴿ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً ﴾ متكبراً عاقاً لهما أو عاصياً لربه.