روي عن أبي زيد أنه لما حملت زوجته عليه السلام أصبح لا يستطيع أن يكلم أحداً وهو مع ذلك يقرأ التوراة فإذا أراد مناداة أحد لم يطقها ﴿ ثلاث لَيَالٍ ﴾ مع أيامهن للتصريح بالأيام في سورة آل عمران والقصة واحدة، والعرب تتجوز أو تكتفي بأحدهما عن الآخر كما ذكره السيرافي، والنكتة في الاكتفاء بالليالي هنا وبالأيام ثمة على ما قيل أن هذه السورة مكية سابقة النزول وتلك مدنية والليالي عندهم سابقة على الأيام لأن شهورهم وسنيهم قمرية إنما تعرف بالأهلة ولذلك اعتبروها في التاريخ كما ذكره النحاة فأعطى السابق للسابق، والليال جمع ليل على غير قياس كأهل وأهال أو جمع ليلاة ويجمع أيضاً على ليايل.
﴿ سَوِيّاً ﴾ حال من فاعل ﴿ تُكَلّمَ ﴾ مفيد لكون انتفاء التكلم بطريق الإعجاز وخرق العادة لا لاعتقال اللسان بمرض أي يتعذر عليك تكليمهم، ولا تطيقه حال كونك سوي الخلق سليم الجوارح ما بك شائبة بكم ولا خرص وهذا ما عليه الجمهور، وعن ابن عباس أن ﴿ سَوِيّاً ﴾ عائد على الليالي أي كاملات مستويات فيكون صفة لثلاث.
وقرأ ابن أبي عبلة.
وزيد بن علي رضي الله تعالى عنهما ﴿ أَن لا تُكَلّمَ ﴾ بالرفع على أن المخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن أي أنه لا تكلم.
﴿ فَخَرَجَ على قَوْمِهِ مِنَ المحراب ﴾
أي من المصلى كما روي عن ابن زيد أو من الغرفة كما قيل، وأصل المحراب كما قال الطبرسي : مجلس الأشراف الذي يحارب دونه ذباً عن أهله، ويسمى محل العبادة محراباً لما أن العابد كالمحارب للشيطان فيه، وإطلاق المحراب على المعروف اليوم في المساجد لذلك وهو محدث لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد ألف الجلال السيوطي في ذلك رسالة صغيرة سماها إعلام الأريب بحدوث بدعة المحاريب.