﴿إِنَّا نُبَشّرُكَ بغلام اسمه يحيى﴾ [ مريم : ٧ ] ليس نصاً في كون ذلك الغلام ولداً له بل يحتمل أن زكريا عليه السلام راعى الأدب ولم يقل هذا الكلام هل يكون لي ولد أم لا، بل ذكر أسباب تعذر حصول الولد في العادة حتى أن تلك البشارة إن كانت بالولد فالله تعالى يزيل الإبهام ويجعل الكلام صريحاً فلما ذكر ذلك صرح الله تعالى بكون ذلك الولد منه فكان الغرض من كلام زكريا هذا لا أنه كان شاكاً في قدرة الله تعالى عليه.
الثاني : أنه ما ذكر ذلك للشك لكن على وجه التعظيم لقدرته وهذا كالرجل الذي يرى صاحبه قد وهب الكثير الخطير فيقول أنى سمحت نفسك بإخراج مثل هذا من ملككا تعظيماً وتعجباً.
الثالث : أن من شأن من بشر بما يتمناه أن يتولد له فرط السرور به عند أول ما يرد علي استثبات ذلك الكلام إما لأن شدة فرحه به توجب ذهوله عن مقتضيات العقل والفكر وهذا كما أن امرأة إبراهيم عليه السلام بعد أن بشرت باسحق قالت :﴿أألد وَأَنَاْ عَجُوزٌ وهذا بَعْلِى شَيْخًا إِنَّ هذا لَشَىْء عَجِيبٌ﴾ [ هود : ٧٢ ] فأزيل تعجبها بقوله :﴿أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ الله﴾ [ هود : ٧٣ ] وإما طلباً للالتذاذ بسماع ذلك الكلام مرة أخرى، وإما مبالغة في تأكيد التفسير.
﴿ قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (٩) ﴾
وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
في قوله :﴿قَالَ رَبُّكَ هُوَ هَيّنٌ﴾ وجوه.
أحدها : أن الكاف رفع أي الأمر كذلك تصديقاً له ثم ابتدأ قال ربك.
وثانيها : نصب يقال وذلك إشارة إلى مبهم تفسيره هو علي هين وهو كقوله تعالى :﴿وَقَضَيْنَا إِلَيْكَ ذَلِكَ الأمر أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآْء مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ﴾ [ الحجر : ٦٦ ] وثالثها ؛ أن المراد لا تعجب فإنه كذلك قال ربك لا خلف في قوله ولا غلط ثم قال بعده هو علي هين بدليل خلقتك من قبل ولم تك شيئاً.


الصفحة التالية
Icon