وقيل : غير هذا مما تقدّم في "آل عمران" بيانه.
﴿ وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكبر عِتِيّاً ﴾ يعني النهاية في الكبر واليبس والجفاف ؛ ومثله العُسِي ؛ قال الأصمعيّ : عَسَا الشيءُ يَعسُ عُسوًّا وعَسَاء ممدود أي يَبِس وصَلُب، وقد عسا الشيخُ يَعسو عُسِيّا وَلَّى وكَبِرَ مثل عَتَا ؛ يقال : عَتَا الشيخُ يَعتو عُتياً وعِتيًّا كبر وولّى، وعتوت يا فلان تعتو عتواً وعتِياً.
والأصل عتوّ لأنه من ذوات الواو، فأبدلوا من الواو ياء ؛ لأنها أختها وهي أخفّ منها، والآيات على الياءات، ومن قال :"عِتِيًّا" كره الضمة مع الكسرة والياء ؛ وقال الشاعر :
إنما يُعذَرُ الوليدُ ولا يُعْذَرُ...
من كان في الزّمان عِتِيَّا
وقرأ ابن عباس "عُسِيًّا" وهو كذلك في مصحف أبيّ.
وقرأ يحيى بن وثاب وحمزة والكسائي وحفص "عِتِيا" بكسر العين وكذلك "جِثيا" و"صِلِيا" حيث كن.
وضم حفص "بُكِيًّا" خاصة، وكذلك الباقون في الجميع، وهما لغتان.
وقيل :"عِتيا" قَسِيّا ؛ يقال : ملك عاتٍ إذا كان قاسي القلب.
قوله تعالى :﴿ قَالَ كذلك قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ﴾ أي قال له الملَك "كذلك قال ربك" والكاف في موضع رفع ؛ أي الأمر كذلك ؛ أي كما قيل لك :"هو عليّ هين".
قال الفراء : خَلْقه عليّ هيِّن.
﴿ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ ﴾ أي من قبل يحيى.
وهذه قراءة أهل المدينة والبصرة وعاصم.
وقرأ سائر الكوفيين "وَقَدْ خَلَقْنَاكَ".
بنون وألف بالجمع على التعظيم.
والقراءة الأولى أشبه بالسواد.
﴿ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً ﴾ أي كما خلقك الله تعالى بعد العدم ولم تك شيئاً موجوداً، فهو القادر على خلق يحيى وإيجاده.
قوله تعالى :﴿ قَالَ رَبِّ اجعل لي آيَةً ﴾ طلب آية على حملها بعد بشارة الملائكة إياه، وبعد قول الله تعالى :﴿ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً ﴾ زيادة طمأنينة ؛ أي تمم النعمة بأن تجعل لي آية، وتكون تلك الآية زيادة نعمة وكرامة.