وقال أبو السعود :
﴿ يَا زَكَرِيَّا ﴾
على إرادة القولِ أي قال تعالى :﴿ يَا زَكَرِيَّا ﴾ ﴿ إِنَّا نُبَشّرُكَ بغلام اسمه يحيى ﴾ لكن لا بأن يخاطِبه عليه الصلاة والسلام بذلك بالذات، بل بواسطة الملَك على أن يحكيَ له عليه الصلاة والسلام هذه العبارةَ عنه عز وجل على نهج قوله تعالى :﴿ قُلْ ياعبادى الذين أَسْرَفُواْ ﴾ الآية، وقد مر تحقيقُه في سورة آلى عمران، وهذا جوابٌ لندائه عليه الصلاة والسلام ووعدٌ بإجابة دعائِه، لكن لا كما هو المتبادرُ من قوله تعالى :﴿ فاستجبنا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يحيى ﴾ الخ، بل بعضاً حسبما تقتضيه المشيئةُ الإلهية المبنية على الحِكَم البالغة فإن الأنبياءَ عليهم الصلاة والسلام وإن كانوا مستجابي الدعوةِ لكنهم ليسوا كذلك في جميع الدعواتِ، ألا يرى إلى دعوة إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام في حق أبيه وإلى دعوة النبي عليه الصلاة والسلام حيث قال :" وسألته أن لا يُذيقَ بعضَهم بأسَ بعض فمنعنيها " وقد كان من قضائه عز وعلا أن يهبَه يحيى نبياً مرضياً ولا يرثه، فاستجيب دعاؤُه في الأول دون الثاني حيث قتل قبلَ موت أبيه عليهما الصلاة والسلام على ما هو المشهورُ، وقيل : بقي بعده برهةً فلا إشكال حينئذ، وفي تعيين اسمِه عليه الصلاة والسلام تأكيدٌ للوعد وتشريفٌ له عليه الصلاة والسلام، وفي تخصيصه به عليه السلام حسبما يُعرب عنه قوله تعالى :﴿ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً ﴾ أي شريكاً له في الاسم حيث لم يُسمَّ أحدٌ قبله بيحيى مزيدُ تشريفٍ وتفخيم له عليه الصلاة والسلام فإن التسميةَ بالأسامي البديعة الممتازة عن أسماء سائرِ الناس تنويهٌ بالمسمّى لا محالة، وقيل : سميًّا شبيهاً في الفضل والكمالِ كما في قوله تعالى :﴿ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً ﴾ فإن المتشاركين في الوصف بمنزلة المتشاركين في الاسم، قالوا : لم يكن له عليه الصلاة والسلام مِثْلٌ في أنه لم يعصِ الله تعالى ولم يهُمَّ بمعصية قط وأنه ولد من شيخ


الصفحة التالية
Icon