" هو مع بعده في نفسه عليّ هيّنٌ " والقراءة الثانية أَدخلُ في إفادة هذا المعنى على أن الواو للعطف، وأما جعلُها للحال فمُخِلٌّ بسِداد المعنى لأن مآلَه تقريرُ صعوبته حال سهولتِه عليه تعالى مع أن المقصودَ بيانُ سهولتِه عليه سبحانه مع صعوبته في نفسه، وقوله تعالى :﴿ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً ﴾ جملةٌ مستأنَفةٌ مقررة لما قبلها، والمرادُ به ابتداءُ خلق البشرِ إذ هو الواقعُ إثرَ العدم المحضِ لا ما كان بعد ذلك بطريق التوالدِ المعتادِ، وإنما لم يُنسَبْ ذلك إلى آدمَ عليه الصلاة والسلام وهو المخلوقُ من العدم حقيقةً بأن يقال : وقد خلقتُ أباك أو آدمَ من قبل ولم يك شيئاً مع كفايته في إزالة الاستبعادِ بقياس حالِ ما بُشّر به على حاله عليه الصلاة والسلام لتأكيد الاحتجاجِ وتوضيح منهاجِ القياس حيث نبه على أن كل فرد من أفراد البشر له حظٌّ من إنشائه عليه الصلاة والسلام من العدم، إذ لم تكن فطرتُه البديعةُ مقصورةً على نفسه به كانت أنموذجاً منطوياً على فطرية سائر آحادِ الجنس انطواءً إجمالياً مستتبعاً لجريان آثارِها على الكل، فكان إبداعُه عليه الصلاة والسلام على ذلك الوجه إبداعاً لكل أحد من فروعه كذلك، ولمّا كان خَلقُه عليه الصلاة والسلام على هذا النمطِ الساري إلى جميع أفراد ذريته أبدعَ من أن يكون ذلك مقصوراً على نفسه كما هو المفهومُ من نسبة الخلقِ المذكور إليه وأدلَّ على عظم قدرتِه تعالى وكمال علمِه وحكمتِه، وكان عدمُ زكريا حينئذ أظهرَ عنده وأجلى وكان حالُه أولى بأن يكون معياراً لحال ما بشر به نُسب الخلقُ المذكور إليه، كما نسب الخَلقُ والتصويرُ إلى المخاطَبين في قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ خلقناكم ثُمَّ صورناكم ﴾ توفيةً لمقام الامتنان حقَّه، فكأنه قيل : وقد خلقتُك من قبل في تضاعيف خلقِ آدمِ ولم تكن إذ ذاك شيئاً أصلاً بل عدماً بحتاً ونفياً صِرْفاً. هذا وأما حملُ الشيء
على المعتدّ به أي ولم تكن شيئاً معتداً به فيأباه المقام ويردّه نظمُ الكلام، وقرىء خلقناك. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٥ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon