قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (٨)
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن زكريا لما بشر بيحيى قال ﴿ رَبِّ أنى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَكَانَتِ امرأتي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكبر عِتِيّاً ﴾ وهذا الذي ذكر أنه قاله هنا ذكره أيضاً في « آل عمران » في قوله ﴿ قَالَ رَبِّ أنى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِي الكبر وامرأتي عَاقِرٌ ﴾ [ آل عمران : ٤٠ ]. وقوله في هذه الآية الكريمة ﴿ وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكبر عِتِيّاً ﴾ قرأه حمزة والكسائي وحفص عن عاصم « عتياً » بضمها على الأصل. ومعنى قوله :﴿ وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكبر عِتِيّاً ﴾ بكسر العين إتباعاً للكسرة التي بعدها، ومجانسة للياء وقرأه الباقون « عتياً » بضمها على الأصل. ومعنى قوله :﴿ وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكبر عِتِيّاًً ﴾ أنه بلغ غاية الكبر في السن. حتى نحل عظمه ويبس. قال ابن جرير الطبري رحمه الله في تفسيره هذه الآية : يقول وقد عتوت من الكبر فصرت نحيل العظام يابسها. يقال منه للعود اليابس : عود عات وعاس. وقد عتا عتواً وعتياً. وعسا يعسو عسياً وعسوا. وكل متناه إلى غاية في كبر أو فساد أو كفر فهو عات وعاس.
تنبيه
فإن قيل : ما وجه استفهام زكريا في قوله ﴿ أنى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ ﴾ مع علمه بقدرة الله تعالى على كل شيء.
فالجواب من ثلاثة أوجه قد ذكرناها في كتابنا ( دفع إيهام الاضطراب عند آيات الكتاب ) في سورة « آل عمران » وواحد منها فيه بعد وإن روى عن عكرمة والسدي وغيرهما.
الأول - أن استفهام زكريا استفهام استخبار استعلام. لأنه لايعلم هل الله يأتيه بالولد من زوجه العجوز على كبر سنهما على سبيل خرق العادة. أو يأمر بأن يتزوج شابة، أو يردهما شابين؟ فاستفهم عن الحقيقة ليعلهما. ولا إشكال في هذا، وهو أظهرها.