والمعنى : أنه لم يجىء قبل يحيى من الأنبياء من اجتمع له ما اجتمع ليحيى فإنه أعطي النبوءة وهو صبيّ، قال تعالى :﴿ وآتيناه الحكم صبياً ﴾ [ مريم : ١٢ ]، وجعل حصوراً ليكون غير مشقوق عليه في عصمته عن الحرام، ولئلا تكون له مشقة في الجمع بين حقوق العبادة وحقوق الزوجة، وولد لأبيه بعد الشيخوخة ولأمّه بعد العَقر، وبُعث مبشراً برسالة عيسى عليه السلام، ولم يكن هو رسولاً، وجعل اسمه العلم مبتكراً غير سابق من قبله.
وهذه مزايا وفضائل وهبت له ولأبيه، وهي لا تقتضي أنه أفضل الأنبياء لأنّ الأفضلية تكون بمجموع فضائل لا ببعضها وإن جلّت، ولذلك قيل "المزيّة لا تقتضي الأفضليّة" وهي كلمة صدق.
وجملة ﴿ قَالَ رَبّ ﴾ جواب للبشارة.
و﴿ أنى ﴾ استفهام مستعمل في التعجب، والتعجب مكنى به عن الشكر، فهو اعتراف بأنها عطية عزيزة غير مألوفة لأنّه لا يجوز أن يسأل الله أن يهب له ولداً ثمّ يتعجب من استجابة الله له.
ويجوز أن يكون قد ظن الله يهب له ولداً من امرأة أخرى بأن يأذنه بتزوج امرأة غير عاقر، وتقدّم القول في نظير هذه الآية في سورة آل عمران.
وجملة ﴿ امرأتي عاقراً ﴾ حال من ياء التكلّم.
وكرّر ذلك مع قوله في دعائه ﴿ وكَانَتتِ امرأتي عاقِراً ﴾.
وهو يقتضي أنّ زكرياء كان يظن أن عدم الولادة بسبب عقر امرأته، وكان الناس يحسبون ذلك إذا لم يكن بالرجل عُنّةٌ ولا خصاء ولا اعتراض، لأنهم يحسبون الإنعَاظ والإنزال هما سبب الحمل إن لم تكن بالمرأة عاهة العُقر.
وهذا خطأ فإن عدم الولادة يكون إمّا لعلّة بالمرأة في رحمها أو لعلة في ماء الرجل يكون غير صالح لنماء البويضات التي تبرزها رحم المرأة.
و﴿ من ﴾ في قوله ﴿ من الكبر عُتِيّاً ﴾ للابتداء، وهو مجاز في معنى التعليل.
والكِبر : كثرة سني العمر، لأنه يقارنه ظهور قلّة النشاط واختلال نظام الجسم.
و﴿ عُتِيّاً ﴾ مفعول ﴿ بَلَغْتُ ﴾.


الصفحة التالية
Icon