والثالث : أن يكون الحنان من الله تعالى لأمة يحيى عليه السلام كأنه تعالى قال :﴿وَاتَيْنَاهُ الحكم صَبِيّاً * وَحَنَانًا﴾ منا على أمته لعظيم انتفاعهم بهدايته وإرشاده، أما إذا جعلناه صفة ليحيى عليه السلام ففيه وجوه.
الأول : آتيناه الحكم والحنان على عبادنا أي التعطف عليهم وحسن النظر على كافتهم فيما أوليه من الحكم عليهم كما وصف نبيه فقال :﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ الله لِنتَ لَهُمْ﴾ [ آل عمران : ١٥٩ ] وقال :﴿حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بالمؤمنين رَءوفٌ رَّحِيمٌ﴾ [ التوبة : ١٢٨ ] ثم أخبر تعالى أنه آتاه زكاة، ومعناه أن لا تكون شفقته داعية له إلى الإخلال بالواجب لأن الرأفة واللين ربما أورثا ترك الواجب ألا ترى إلى قوله تعالى :﴿وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِى دِينِ الله﴾ [ النور : ٢ ] وقال :﴿قَاتِلُواْ الذين يَلُونَكُمْ مّنَ الكفار وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً﴾ [ التوبة : ١٢٣ ] وقال :﴿أَذِلَّةٍ عَلَى المؤمنين أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين يجاهدون فِى سَبِيلِ الله وَلاَ يخافون لَوْمَةَ لائِمٍ﴾ [ المائدة : ٥٤ ] فالمعنى إنما جعلنا له التعطف على عباد الله مع الطهارة عن الإخلال بالواجبات، ويحتمل آتيناه التعطف على الخلق والطهارة عن المعاصي فلم يعص ولم يهم بمعصية، وفي الآية وجه آخر وهو المنقول عن عطاء بن رباح :﴿وَحَنَانًا مّن لَّدُنَّا﴾ والمعنى آتيناه الحكم صبياً تعظيماً إذ جعلناه نبياً وهو صبي ولا تعظيم أكثر من هذا والدليل عليه ما روى أنه مر ورقة بن نوفل على بلال وهو يعذب قد ألصق ظهره برمضاء البطحاء، ويقول : أحد أحد فقال : والذي نفسي بيده لئن قتلتموه لأتخذنه حناناً أي معظماً.
الصفة الرابعة : قوله :﴿وزكواة﴾ وفيه وجوه : أحدها : أن المراد وآتيناه زكاة أي عملاً صالحاً زكياً، عن ابن عباس وقتادة والضحاك وابن جريج.
وثانيها : زكاة لمن قبل منه حتى يكونوا أزكياء عن الحسن.