اختلف المفسرون في قوله :﴿لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً﴾ على وجهين : أحدهما : وهو قول ابن عباس والحسن وسعيد بن جبير وعكرمة وقتادة أنه لم يسم أحد قبله بهذا الاسم.
الثاني : أن المراد بالسمي النظير كما في قوله :﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً﴾ [ مريم : ٦٥ ] واختلفوا في ذلك على وجوه.
أحدها : أنه سيد وحصور لم يعص ولم يهم بمعصية كأنه جواب لقوله :﴿واجعله رَبّ رَضِيّاً﴾ [ مريم : ٦ ] فقيل له إنا نبشرك بغلام لم نجعل له من قبل شبيهاً في الدين، ومن كان هكذا فهو في غاية الرضا.
وهذا الوجه ضعيف لأنه يقتضي تفضيله على الأنبياء الذين كانوا قبله كآدم ونوح وإبراهيم وموسى وذلك باطل بالإتفاق.
وثانيها : أن كل الناس إنما يسميهم آباؤهم وأمهاتهم بعد دخولهم في الوجود، وأما يحيى عليه السلام فإن الله تعالى هو الذي سماه قبل دخوله في الوجود فكان ذلك من خواصه فلم يكن له مثل وشبيه في هذه الخاصية.
وثالثها : أنه ولد بين شيخ فإن وعجوز عاقر، واعلم أن الوجه الأول أولى وذلك لأن حمل السمي على النظير وإن كان يفيد المدح والتعظيم ولكنه عدول عن الحقيقة من غير ضرورة وإنه لا يجوز، وأما قول الله تعالى :﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً﴾ فهناك إنما عدلنا عن الظاهر لأنه قال :﴿فاعبده واصطبر لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً﴾ [ مريم : ٦٥ ] ومعلوم أن مجرد كونه تعالى مسمى بذلك الاسم لا يقتضي وجوب عبادته، فلهذه العلة عدلنا عن الظاهرة، أما ههنا لا ضرورة في العدول عن الظاهر فوجب اجراؤه عليه ولأن في تفرده بذلك الاسم ضرباً من التعظيم لأنا نشاهد أن الملك إذا كان له لقب مشهور فإن حاشيته لا يتلقبون به بل يتركونه تعظيماً له فكذلك ههنا.
المسألة الرابعة :
في أنه عليه السلام سمي بيحيى روى الثعلبي فيه وجوهاً.
أحدها : عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الله تعالى أحيا به عقر أمه.