وقال ابن العربى :
قَوْله تَعَالَى :﴿ يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ﴾.
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَدْ بَيَّنَّا الْحِكْمَةَ وَالْحُكْمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا، وَفِي غَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ، وَأَوْضَحْنَا وُجُوهَهَا ومُتَصَرَّفاتِها ومُتَعَلَّقاتِها كُلَّهَا.
وَأَجَلُّهَا مَرْتَبَةُ النُّبُوَّةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : فِي الْمُرَادِ بِالْحُكْمِ هَاهُنَا : وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ : الْوَحْيُ.
وَالثَّانِي : النُّبُوَّةُ.
وَالثَّالِثُ : الْمَعْرِفَةُ وَالْعَمَلُ بِهَا.
وَهَذَا كُلُّهُ مُحْتَمَلٌ يَفْتَقِرُ إلَى تَحْقِيقٍ ؛ فَأَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّهُ الْوَحْيُ فَجَائِزٌ أَنْ يُوحِيَ اللَّهُ إلَى الصَّغِيرِ، وَيُكَاشِفَهُ بِمَلَائِكَتِهِ وَأَمْرِهِ، وَتَكُونُ هَذِهِ الْمُكَاشَفَةُ نُبُوَّةً غَيْرَ مَهْمُوزَةٍ رِفْعَةً وَمَهْمُوزَةً إخْبَارًا، وَيَجُوزُ أَنْ يُرْسِلَهُ إلَى الْخَلْقِ كَامِلَ الْعَقْلِ وَالْعِلْمِ مُؤَيَّدًا بِالْمُعْجِزَةِ، وَلَكِنْ لَمْ يَرِدْ بِذَلِكَ خَبَرٌ، وَلَا كَانَ فِيمَنْ تَقَدَّمَ.
وَقَوْلُ عِيسَى :﴿ إنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ﴾.
إخْبَارٌ عَمَّا وَجَبَ لَهُ حُصُولُهُ، لَا عَمَّا حَصَلَ بَعْدُ.
وَأَمَّا الْعِلْمُ وَالْعَمَلُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ :﴿ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ﴾.