وقال ابن عطية :
قال زكرياء ﴿ رب اجعل لي آية ﴾
علامة أعرف بها صحة هذا وكونه من عندك. وروي أن زكرياء عليه السلام لما عرف ثم طلب الآية بعد ذلك عاقبه الله تعالى بأن أصابه بذلك السكوت عن كلام الناس، وذلك وإن لم يكن عن مرض خرس أو نحوه ففيه على كل حال عقاب. ما روي عن ابن زيد أن زكرياء لما حملت زوجته منه يحيى أصبح لا يستطيع أن يكلم احداً، وهو مع ذلك يقرأ التوراة ويذكر الله، فإذا أراد مقاولة أحد لم يطقه، ويحتمل على هذا أن يكون قوله ﴿ اجعل لي آية ﴾ معناه علامة أعرف بها أن الحمل قد وقع، وبذلك فسر الزجاج. ومعنى قوله ﴿ سوياً ﴾ فيما قال الجمهور صحيحاً من غير علة ولا خرس، وقال ابن عباس أيضاً ذلك عائد على " الليالي " أراد كاملات مستويات، وقوله ﴿ فخرج على قومه ﴾ المعنى أن الله تعالى أظهر الآية بأن خرج زكرياء من محرابه وهو موضع مصلاة، و﴿ المحراب ﴾ أرفع المواضع والمباني اذ هي تحارب من ناوأها ثم خص بهذا الاسم مبنى الصلاة، وكانوا يتخذونها فيما ارتفع من الأرض، واختلف الناس في اشتقاقه، فقالت فرقة : هو مأخوذ من الحرب كأن ملازمة يحارب الشيطان والشهوات، وقالت فرقة : هو مأخوذ من الحرَب بفتح الراء كأن ملازمه يلقى منه حرباً وتعباً ونصباً، وفي اللفظ بعد هذا نظر، وقوله ﴿ فأوحى ﴾ قال قتادة وابن منبه : كان ذلك بإشارة، وقال مجاهد : بل بأن كتبه في التراب.
قال القاضي أبو محمد : وكلا الوجهين وحي. وقوله ﴿ أن سبحوا ﴾، ﴿ أن ﴾ مفسرة بمعنى " أي "، و﴿ سبحوا ﴾ قال قتادة : معناه صلوا، والسبحة الصلاة، وقالت فرقة : بل أمرهم بذكر الله وقول سبحان الله. وقرأ طلحة " أن سبحوه " بضمير، وباقي الآية ويقال " وحى وأوحى " بمعنى واحد.
﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (١٢) ﴾


الصفحة التالية
Icon