اتفق المفسرون إلا الحسن وعبد الرحمن بن زيد أن السري هو النهر والجدول سمي بذلك لأن الماء يسري فيه وأما الحسن وابن زيد فجعلا السري عيسى والسري هو النبيل الجليل يقال فلان من سروات قومه أي من أشرافهم وروي أن الحسن رجع عنه وروي عن قتادة وغيره أن الحسن تلا هذه الآية وبجنبه حميد بن عبد الرحمن الحميري :﴿قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً﴾ فقال : إن كان لسرياً وإن كان لكريماً، فقال له حميد : يا أبا سعيد إنما هو الجدول فقال له الحسن من ثم تعجبنا مجالستك، واحتج من حمله على النهر بوجهين : أحدهما : أنه سأل النبي ﷺ عن السري فقال : هو الجدول.
والثاني : أن قوله :﴿فَكُلِي واشربي﴾ يدل على أنه نهر حتى ينضاف الماء إلى الرطب فتأكل وتشرب واحتج من حمله ( على ) عيسى بوجهين : الأول : أن النهر لا يكون تحتها بل إلى جانبها ولا يجوز أن يجاب عنه بأن المراد منه أنه جعل النهر تحت أمرها يجري بأمرها ويقف بأمرها كما في قوله :﴿وهذه الأنهار تَجْرِى مِن تَحْتِي﴾ [ الزخرف : ٥١ ] لأن هذا حمل للفظ على مجازه ولو حملناه على عيسى عليه السلام لم يحتج إلى هذا المجاز.
الثاني : أنه موافق لقوله تعالى :﴿وَجَعَلْنَا ابن مَرْيَمَ وَأُمَّهُ ءايَةً وءاويناهما إلى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ﴾ [ المؤمنون : ٥٠ ] والجواب عنه ما تقدم أن المكان المستوي إذا كان فيه مبدأ معين فكل من كان أقرب منه كان فوق وكل من كان أبعد منه كان من تحت فرعان : الأول : إن حملنا السري على النهر ففيه وجهان : أحدهما : أن جبريل عليه السلام ضرب برجله فظهر ماء عذب.
والثاني : أنه كان هناك ماء جار.
والأول : أقرب لأن قوله :﴿قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً﴾ مشعر بالحدوث في ذلك الوقت ولأن الله تعالى ذكره تعظيماً لشأنها وذلك لا يثبت إلا على الوجه الذي قلناه.